الــولــيــد
07-25-2007, 04:38 PM
لاشك أن الكثير منا قد قرأ عن موضوع اللغة العربية وأصلها ومن أول من تكلم بها. ولا بد أن الكثير منا إكتشف، من خلال ماقرأه، اللغط الكثير الذي وقع فيه البعض بخصوص هذا الموضوع. وما زاد الأمر سوءً هو التعصب الأعمى الذي يحتم على أهل الأهواء أن يخفوا الحقائق ويحرفونها. ولهذه الأسباب، فقد قمت بكتابة بحث متواضع عن اللغة العربية وأصلها وتطورها. وبالرغم من أن هذا الموضوع كان وما زال نقطة خلاف ساخنة بين العدنانيين والقحطانيين إلا أننا سنكتشف بأن الخلاف بسيط جداً وأن سبب هذا الإختلاف يعود إلى العصبية وإتباع الهوى بشكل أساسي أو بسبب سوء فهم الحقائق التاريخية.
لا أريد أن أطيل عليكم ولكن ليعلم الجميع بأن الهدف من هذا البحث هو كشف الحقائق وإعادة الأمور إلى نصابها بدون أي تحيز. كما أود الإشارة إلى أنني أرحب بأي نقد بنّاء أو مناقشة في هذا الموضوع لأنني لم أكتب البحث إلا لفائدة الجميع.
من أول من تكلم بالعربية؟
كثر اللغط والإختلاف في تحديد أول من تكلم بالعربية. وقد إتفق أكثر العلماء على أن أصل العربية يعود إلى آدم عليه السلام حيث قال أهل التفاسير أن المراد من قوله تعالى(وعلم آدم الأسماء كلها) أسماء كل شيء بكل اللغات بما فيها العربية. قال ابنُ عباس "علّمه أسماءَ جميعِ الأشياءِ حتى القصعةَ والقصيعة"(1). وقال ابن عباس "كانت العربية لغة آدم –عليه السلام- في الجنة فلما أكل من الشجرة سُلبها فتكلم بالسريانية فلما تاب ردّها الله تعالى عليه"(2). وقال عبد الملك بن حبيب "كان اللسان الأول الذي هبط به آدم عليه السلام من الجنة عربياً إلى أن بعد وطال العهد حرف وصار سريانياً وكان أيضاً لسان جميع من في السفينة إلا رجلاً واحداً يقال له جرهم (غير جرهم ابن قحطان) فإنه كان لسانه العربي الأول فلما خرجوا من السفينة تزوج إرم بن سام بعض بنات جرهم وصار اللسان العربي في ولده"(3). ومن ولد إرم العرب البائدة وهي عاد وثمود وعبيل وجديس.
ولا إختلاف عند أهل التاريخ والأنساب في أن العرب البائدة تكلمت العربية قبل يعرب بن قحطان بأزمنة طويلة. حيث كانت عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس يتكلمون العربية وقد أرسل الله لبعضهم أنبياءً من العرب مثل هود وصالح وشعيب عليهم السلام.
أما القائلون بأن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم العربية فإنهم يرتكزون على قصة بابل حيث تبلبلت ألسنة الناس ولم يفهم أحد لغة الآخر بسبب عصيانهم أمر الله وإطاعتهم للنمرود عندما دعاهم لعبادة الأوثان (والقصة طويلة لا يتسع المجال لذكرها). وبعد أن تبلبلت ألسنة الناس أفهم الله العربية يعرب وجرهم ابني قحطان وعاد وعبيل وجديس وثمود وعملاق وطسم ووبار وعبد ضخم. ومن هذه القصة يتبين لنا أن يعرب بن قحطان كان من ضمن من أفهمهم الله اللغة العربية بعد تبلبل الألسنة.
وبذلك، وإذا ما قمنا بتقسيم الفترات الزمنية التي مرت بها اللغة العربية فإنه ينتج لنا التالي:
الفترة الأولى: بدأت منذ نزول آدم -عليه السلام- إلى الأرض حتى عهد الطوفان وفيها إنحصرت اللغة العربية وبدأت في الإندثار.
الفترة الثانية: بدأت منذ أن تزوج إرم بن سام ببنات جرهم الأول وفي هذه الفترة عادت الحياة إلى اللغة العربية على يد أبناء إرم بن سام.
الفترة الثالثة: بدأت بعد تبلبل الألسنة في بابل حتى عهد إسماعيل عليه السلام. وفي هذه الفترة عادت الحياة للغة العربية القديمة مرة أخرى على يد العرب البائدة بالإضافة إلى يعرب وجرهم ابني قحطان.
الفترة الرابعة: بدأت من عهد إسماعيل عليه السلام حيث إتخذت شكلاً جديداً اتسمت فيه بالفصاحة والبلاغة والبيان وزادها القرآن حسناً وجمالاً.
ويمكن التوفيق بين من قال أن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم بالعربية ومن قال بأن إسماعيل هو أول من تكلم بها بأن أولوية يعرب بن قحطان أتت لأنه أول من تكلم بها من ذرية أرفخشذ بن سام لأن اللسان العربي كان في ذرية إرم بن سام (وهم العرب البائدة المذكورون أعلاه) وأنتقل إلى بني أرفخشذ بن سام بعد تبلبل الألسنة أو بعد أن تعلمها يعرب منهم. أما أولوية إسماعيل أتت من كونه أول من تكلم بالعربية الفصيحة وهي شكل يختلف تماماً عن عربية الأمم السابقة.
هل عربية إسماعيل هي نفسها عربية العرب البائدة وعرب اليمن؟
قسّم أَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَةَ العرب إلى ثلاثة أقسام:
الأول عاربة: وهم الخُلَّص، وهم تسع قبائل، من ولد إرم بن سام بن نوح، وهي: عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجدِيس وعمليق وجرهم ووبار.
الثاني المتعرّبة: وهم الذين ليسوا بخُلَّص، وهم بنو قحطان.
والثالث المستعربة: وهم الذين ليسوا بخُلّص أيضاً وهم بنو إسماعيل (4).
وذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة وعبد صنم وجرهم وحضرموت وحضوراء وبنو ثابر والسلف ومن في معناهم. والمستعربة بنو قحطان بن عابر، وبنو إسماعيل عليه السلام لأن لغة عابر وإسماعيل عليه السلام كانت عجمية (5).
وقد إتفق العلماء على أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية العرب البائدة وعرب اليمن. وقال الشرفي بن قطامي "عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم"(6). وقال أبو عمرو بن العلاء في ذلك "ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"(7). وقال النحاس رحمه الله تعالى "عربية إسماعيل هي التي نزل بها القرآن، وأما عربية حمير وبقايا جرهم فغير هذه العربية وليست فصيحة"(8).
ومن الطريف في هذا الأمر مارواه الأصمعي أن رجلاً من الأعراب دخل على ملك ظفار فقال له الملك: ثب، وثب بالحميرية تعني اجلس، فوثب الرجل فانكسرت رجلاه. ولك أن ترى الفرق الكبير والتناقض الواضح بين معنى كلمة "ثب" لدى اليمانيين ومعناها لدى العدنانيين. ومن طريف مايروى أيضاً في المنازعات بين القحطانيين والعدنانيين أن إبراهيم بن مخرمة الكندي وخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي إجتمعا عند أبو العباس السفاح ذات ليلة فخاضوا في الحديث وتذاكروا مضر واليمن، فقال إبراهيم بن مخرمة: يا أمير المؤمنين إن أهل اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا ولم يزالوا ملوكاً ورثوا الملك كابراً عن كابر وآخراً عن أول منهم النعمان والمنذر ومنهم عياض صاحب البحرين ومنهم من كان يأخذ كل سفينة غصباً وليس من شيء له خطر إلا إليهم ينسب، إن سُئلوا أعطوا وإن نزل بهم ضيف قروه، فهم العرب العاربة وغيرهم المتعربة. فقال أبو العباس: ما أظن التميمي رضي بقولك. ثم قال: ما تقول أنت يا خالد؟ فقال خالد: إن أذن لي أمير المؤمنين في الكلام تكلمت. قال: تكلم ولا تهب أحداً. فقال خالد: أخطأ المقتحم بغيرعلم، ونطق بغير صواب، وكيف يكون ذلك لقوم ليس لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة نزل بها كتاب ولا جاءت بها سنة. يفتخرون علينا بالنعمان والمنذر ونفتخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فلله المنة به علينا وعليهم. فمنا النبي المصطفى والخليفة المرتضى ولنا البيت المعمور وزمزم والحطيم والمقام والحجابة والبطحاء وما لا يحصى من المآثر. ومنا الصديق والفاروق وذو النورين والرضا والولي وأسد الله وسيد الشهداء. وبنا عرفوا الدين وأتاهم اليقين. فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادانا اصطلمناه. ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال له: ألك علم بلغة قومك؟. قال: نعم. قال: فما اسم العين عندكم؟ قال: الجمجمة. قال: فما اسم السن؟ قال: الميدن. قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتير. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكنع. قال: أفعالم أنت بكتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. قال: فإن الله تعالى يقول "إنا أنزلناه قرآناً عربياً" وقال تعالى "بلسان عربي مبين" وقال تعالى "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" . فنحن العرب والقرآن بلساننا أنزل. ألم تر أن الله تعالى قال "والعين بالعين" ولم يقل والجمجمة بالجمجمة. وقال تعالى "والسن بالسن" ولم يقل والميدن بالميدن. وقال تعالى "والأذن بالأذن" ولم يقل والصنارة بالصنارة. وقال تعالى "يجعلون أصابعهم في أذانهم" ولم يقل شناتيرهم في صناراتهم. وقال تعالى "فأكله الذئب" ولم يقل الكنع. ثم قال لإبراهيم: إني أسألك عن أربع إن أقررت بهن قهرت وإن جحدتهن كفرت. قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم. قال: فالقرآن أنزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالمنبر فينا أوفيكم؟ قال: فيكم. قال: فالبيت لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فإذهب فما كان بعد هؤلاء فهو لكم.
من أين تعلم إسماعيل اللغة العربية؟
ذهب أكثر العلماء إلى أن الله –سبحانه وتعالى- قد ألهم إسماعيل اللسان العربي إلهاماً مستدلين بحديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا{ ثم قال "أُلهم إسماعيل -عليه السلام- هذا اللسان العربي إلهاماً"(9). كما إستدل العلماء بقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل و هو ابن أربع عشرة سنة"(10). وقد إحتج البعض بأنه لو كان إسماعيل قد تعلم العربية من جرهم لتكلم بلغتهم وليس بالعربية الفصيحة. وبما أن إبراهيم عليه السلام قد ترك إسماعيل وأمه في مكة وهو ابن أربع عشرة سنة، فإنه يصعب على إسماعيل تعلم العربية في هذا السن لأن علماء اللسانيات في العصر الحديث يرون أن تعلم المرء لغة ثانية بعد مرحلة الطفولة أمر صعب ويندر أن يُلمّ هذا المرء باللغة الثانية إلماماً تاماً فكيف يتعلم إسماعيل هذه اللغة ويفصحها أكثر ممن تعلمها منهم؟!. وبذلك فإنني أميل إلى القول الذي يقضي بأن الله –سبحانه وتعالى- قد ألهم إسماعيل اللسان العربي الفصيح إلهاماً.
من تعلم عربية الآخر. العدنانيين أم القحطانيين؟
كما ذكرنا آنفاً، فإن عربية إسماعيل تختلف عن عربية من سبقه من الأمم. فعربية إسماعيل هي العربية الفصيحة التي نزل بها القرآن الكريم. والعرب العدنانيين في مجملهم أفصح من العرب القحطانيين. قال أبو عمرو بن العلاء "أفصح العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم"(11). كما أن العلماء يحفظون لقريش بلاغتها ومكانتها بين القبائل حتى عدّوها أفصح العرب. وكما ذكرنا أيضاً، فإن العلماء قد أجمعوا على أن إسماعيل –عليه السلام- هو أول من نطق بالعربية الفصيحة. وبعد أن بعث الله نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة وبعد أن انتشر الإسلام في الجزيرة العربية فقد كان لزاماً على العرب القحطانيين أن يتعلموا لغة إخوانهم العدنانيين لأنها لغة القرآن فبدأت لغة العدنانيين بالإنتشار %
لا أريد أن أطيل عليكم ولكن ليعلم الجميع بأن الهدف من هذا البحث هو كشف الحقائق وإعادة الأمور إلى نصابها بدون أي تحيز. كما أود الإشارة إلى أنني أرحب بأي نقد بنّاء أو مناقشة في هذا الموضوع لأنني لم أكتب البحث إلا لفائدة الجميع.
من أول من تكلم بالعربية؟
كثر اللغط والإختلاف في تحديد أول من تكلم بالعربية. وقد إتفق أكثر العلماء على أن أصل العربية يعود إلى آدم عليه السلام حيث قال أهل التفاسير أن المراد من قوله تعالى(وعلم آدم الأسماء كلها) أسماء كل شيء بكل اللغات بما فيها العربية. قال ابنُ عباس "علّمه أسماءَ جميعِ الأشياءِ حتى القصعةَ والقصيعة"(1). وقال ابن عباس "كانت العربية لغة آدم –عليه السلام- في الجنة فلما أكل من الشجرة سُلبها فتكلم بالسريانية فلما تاب ردّها الله تعالى عليه"(2). وقال عبد الملك بن حبيب "كان اللسان الأول الذي هبط به آدم عليه السلام من الجنة عربياً إلى أن بعد وطال العهد حرف وصار سريانياً وكان أيضاً لسان جميع من في السفينة إلا رجلاً واحداً يقال له جرهم (غير جرهم ابن قحطان) فإنه كان لسانه العربي الأول فلما خرجوا من السفينة تزوج إرم بن سام بعض بنات جرهم وصار اللسان العربي في ولده"(3). ومن ولد إرم العرب البائدة وهي عاد وثمود وعبيل وجديس.
ولا إختلاف عند أهل التاريخ والأنساب في أن العرب البائدة تكلمت العربية قبل يعرب بن قحطان بأزمنة طويلة. حيث كانت عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس يتكلمون العربية وقد أرسل الله لبعضهم أنبياءً من العرب مثل هود وصالح وشعيب عليهم السلام.
أما القائلون بأن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم العربية فإنهم يرتكزون على قصة بابل حيث تبلبلت ألسنة الناس ولم يفهم أحد لغة الآخر بسبب عصيانهم أمر الله وإطاعتهم للنمرود عندما دعاهم لعبادة الأوثان (والقصة طويلة لا يتسع المجال لذكرها). وبعد أن تبلبلت ألسنة الناس أفهم الله العربية يعرب وجرهم ابني قحطان وعاد وعبيل وجديس وثمود وعملاق وطسم ووبار وعبد ضخم. ومن هذه القصة يتبين لنا أن يعرب بن قحطان كان من ضمن من أفهمهم الله اللغة العربية بعد تبلبل الألسنة.
وبذلك، وإذا ما قمنا بتقسيم الفترات الزمنية التي مرت بها اللغة العربية فإنه ينتج لنا التالي:
الفترة الأولى: بدأت منذ نزول آدم -عليه السلام- إلى الأرض حتى عهد الطوفان وفيها إنحصرت اللغة العربية وبدأت في الإندثار.
الفترة الثانية: بدأت منذ أن تزوج إرم بن سام ببنات جرهم الأول وفي هذه الفترة عادت الحياة إلى اللغة العربية على يد أبناء إرم بن سام.
الفترة الثالثة: بدأت بعد تبلبل الألسنة في بابل حتى عهد إسماعيل عليه السلام. وفي هذه الفترة عادت الحياة للغة العربية القديمة مرة أخرى على يد العرب البائدة بالإضافة إلى يعرب وجرهم ابني قحطان.
الفترة الرابعة: بدأت من عهد إسماعيل عليه السلام حيث إتخذت شكلاً جديداً اتسمت فيه بالفصاحة والبلاغة والبيان وزادها القرآن حسناً وجمالاً.
ويمكن التوفيق بين من قال أن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم بالعربية ومن قال بأن إسماعيل هو أول من تكلم بها بأن أولوية يعرب بن قحطان أتت لأنه أول من تكلم بها من ذرية أرفخشذ بن سام لأن اللسان العربي كان في ذرية إرم بن سام (وهم العرب البائدة المذكورون أعلاه) وأنتقل إلى بني أرفخشذ بن سام بعد تبلبل الألسنة أو بعد أن تعلمها يعرب منهم. أما أولوية إسماعيل أتت من كونه أول من تكلم بالعربية الفصيحة وهي شكل يختلف تماماً عن عربية الأمم السابقة.
هل عربية إسماعيل هي نفسها عربية العرب البائدة وعرب اليمن؟
قسّم أَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَةَ العرب إلى ثلاثة أقسام:
الأول عاربة: وهم الخُلَّص، وهم تسع قبائل، من ولد إرم بن سام بن نوح، وهي: عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجدِيس وعمليق وجرهم ووبار.
الثاني المتعرّبة: وهم الذين ليسوا بخُلَّص، وهم بنو قحطان.
والثالث المستعربة: وهم الذين ليسوا بخُلّص أيضاً وهم بنو إسماعيل (4).
وذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة وعبد صنم وجرهم وحضرموت وحضوراء وبنو ثابر والسلف ومن في معناهم. والمستعربة بنو قحطان بن عابر، وبنو إسماعيل عليه السلام لأن لغة عابر وإسماعيل عليه السلام كانت عجمية (5).
وقد إتفق العلماء على أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية العرب البائدة وعرب اليمن. وقال الشرفي بن قطامي "عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم"(6). وقال أبو عمرو بن العلاء في ذلك "ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"(7). وقال النحاس رحمه الله تعالى "عربية إسماعيل هي التي نزل بها القرآن، وأما عربية حمير وبقايا جرهم فغير هذه العربية وليست فصيحة"(8).
ومن الطريف في هذا الأمر مارواه الأصمعي أن رجلاً من الأعراب دخل على ملك ظفار فقال له الملك: ثب، وثب بالحميرية تعني اجلس، فوثب الرجل فانكسرت رجلاه. ولك أن ترى الفرق الكبير والتناقض الواضح بين معنى كلمة "ثب" لدى اليمانيين ومعناها لدى العدنانيين. ومن طريف مايروى أيضاً في المنازعات بين القحطانيين والعدنانيين أن إبراهيم بن مخرمة الكندي وخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي إجتمعا عند أبو العباس السفاح ذات ليلة فخاضوا في الحديث وتذاكروا مضر واليمن، فقال إبراهيم بن مخرمة: يا أمير المؤمنين إن أهل اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا ولم يزالوا ملوكاً ورثوا الملك كابراً عن كابر وآخراً عن أول منهم النعمان والمنذر ومنهم عياض صاحب البحرين ومنهم من كان يأخذ كل سفينة غصباً وليس من شيء له خطر إلا إليهم ينسب، إن سُئلوا أعطوا وإن نزل بهم ضيف قروه، فهم العرب العاربة وغيرهم المتعربة. فقال أبو العباس: ما أظن التميمي رضي بقولك. ثم قال: ما تقول أنت يا خالد؟ فقال خالد: إن أذن لي أمير المؤمنين في الكلام تكلمت. قال: تكلم ولا تهب أحداً. فقال خالد: أخطأ المقتحم بغيرعلم، ونطق بغير صواب، وكيف يكون ذلك لقوم ليس لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة نزل بها كتاب ولا جاءت بها سنة. يفتخرون علينا بالنعمان والمنذر ونفتخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فلله المنة به علينا وعليهم. فمنا النبي المصطفى والخليفة المرتضى ولنا البيت المعمور وزمزم والحطيم والمقام والحجابة والبطحاء وما لا يحصى من المآثر. ومنا الصديق والفاروق وذو النورين والرضا والولي وأسد الله وسيد الشهداء. وبنا عرفوا الدين وأتاهم اليقين. فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادانا اصطلمناه. ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال له: ألك علم بلغة قومك؟. قال: نعم. قال: فما اسم العين عندكم؟ قال: الجمجمة. قال: فما اسم السن؟ قال: الميدن. قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتير. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكنع. قال: أفعالم أنت بكتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. قال: فإن الله تعالى يقول "إنا أنزلناه قرآناً عربياً" وقال تعالى "بلسان عربي مبين" وقال تعالى "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" . فنحن العرب والقرآن بلساننا أنزل. ألم تر أن الله تعالى قال "والعين بالعين" ولم يقل والجمجمة بالجمجمة. وقال تعالى "والسن بالسن" ولم يقل والميدن بالميدن. وقال تعالى "والأذن بالأذن" ولم يقل والصنارة بالصنارة. وقال تعالى "يجعلون أصابعهم في أذانهم" ولم يقل شناتيرهم في صناراتهم. وقال تعالى "فأكله الذئب" ولم يقل الكنع. ثم قال لإبراهيم: إني أسألك عن أربع إن أقررت بهن قهرت وإن جحدتهن كفرت. قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم. قال: فالقرآن أنزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالمنبر فينا أوفيكم؟ قال: فيكم. قال: فالبيت لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فإذهب فما كان بعد هؤلاء فهو لكم.
من أين تعلم إسماعيل اللغة العربية؟
ذهب أكثر العلماء إلى أن الله –سبحانه وتعالى- قد ألهم إسماعيل اللسان العربي إلهاماً مستدلين بحديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا{ ثم قال "أُلهم إسماعيل -عليه السلام- هذا اللسان العربي إلهاماً"(9). كما إستدل العلماء بقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل و هو ابن أربع عشرة سنة"(10). وقد إحتج البعض بأنه لو كان إسماعيل قد تعلم العربية من جرهم لتكلم بلغتهم وليس بالعربية الفصيحة. وبما أن إبراهيم عليه السلام قد ترك إسماعيل وأمه في مكة وهو ابن أربع عشرة سنة، فإنه يصعب على إسماعيل تعلم العربية في هذا السن لأن علماء اللسانيات في العصر الحديث يرون أن تعلم المرء لغة ثانية بعد مرحلة الطفولة أمر صعب ويندر أن يُلمّ هذا المرء باللغة الثانية إلماماً تاماً فكيف يتعلم إسماعيل هذه اللغة ويفصحها أكثر ممن تعلمها منهم؟!. وبذلك فإنني أميل إلى القول الذي يقضي بأن الله –سبحانه وتعالى- قد ألهم إسماعيل اللسان العربي الفصيح إلهاماً.
من تعلم عربية الآخر. العدنانيين أم القحطانيين؟
كما ذكرنا آنفاً، فإن عربية إسماعيل تختلف عن عربية من سبقه من الأمم. فعربية إسماعيل هي العربية الفصيحة التي نزل بها القرآن الكريم. والعرب العدنانيين في مجملهم أفصح من العرب القحطانيين. قال أبو عمرو بن العلاء "أفصح العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم"(11). كما أن العلماء يحفظون لقريش بلاغتها ومكانتها بين القبائل حتى عدّوها أفصح العرب. وكما ذكرنا أيضاً، فإن العلماء قد أجمعوا على أن إسماعيل –عليه السلام- هو أول من نطق بالعربية الفصيحة. وبعد أن بعث الله نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة وبعد أن انتشر الإسلام في الجزيرة العربية فقد كان لزاماً على العرب القحطانيين أن يتعلموا لغة إخوانهم العدنانيين لأنها لغة القرآن فبدأت لغة العدنانيين بالإنتشار %