المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النيابة عندما تلعب سياسة



احمد العتيبي
12-25-2012, 11:10 PM
النيابة عندما تلعب سياسة


جمال سلطان
25 ديسمبر 2012 04:50 PM



عندما يكون الوطن في لحظة فارقة من تاريخه، في لحظة الخطر، فإن أي حريص على هذا الوطن لا بد أن يكون صريحًا في بيانه، لا بد أن نقول للأعور يا أعور، في عينه، حتى يفيق الجميع، ونبحث عن طريق للخلاص وإنقاذ الوطن، وإذا كانت النيابة هي بوابة العدالة الرئيسية، هي مفتاح التقاضي الأساس، وبالتالي فأي خلل في هذا الجهاز الخطير يعني الخلل في مؤسسة القضاء بكاملها، فإن هذا يدعونا إلى وضع اليد على الجرح الخطير، فما حدث في الأسابيع الأخيرة من سلوكيات لقطاع كبير من رجال النيابة كشف عن "تسييس" واضح وانحيازات لصالح توجهات سياسية وتحول الأمور داخل مؤسسة العدالة إلى نوع من الشللية والروابط الولائية لحساب مصالح خاصة بعيدًا عن مصالح الوطن، بل ضد مصالح الوطن، وضد منطق العدالة، لا يمكن تصور أن يمارس رجال النيابة أعمال بلطجة على النحو الذي حدث في حصارهم لدار القضاء العالي ومكتب النائب العام وتهديده بالسلاح من أجل إرغامه على تقديم استقالته، ولا يمكن تصور الألفاظ الخارجة التي صدرت من مظاهرات بعض رجال النيابة أمام مكتب النائب العام قبل أيام ورفضنا نشرها، ولا يمكن تصور الاتهامات السياسية والمتدنية التي يطلقها رجال النيابة عبر الفضائيات بشكل يومي تحولوا معها إلى أجنحة لأحزاب سياسية معارضة بشكل واضح وصريح، وعندما يشتبك رجال النيابة مع السياسة بهذه الدرجة وذلك التورط والانغماس فإن قراراتهم أو تحقيقاتهم في ما يعرض عليهم ستكون- بدون أدنى شك- محل اتهام وموصومة بالانحياز لصالح من يوالونهم في الأحزاب والأجهزة الإعلامية، ومن الطبيعي اتهام قراراتهم وإجراءاتهم بأنها قرارات مسيّسة ولا صلة لها بالعدل والعدالة والقانون.


المستشار مصطفى خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة عرض عليه أكثر من مائة وخمسين متهمًا في واقعة قتل عشرة من متظاهري الاتحادية وإصابة أكثر من مائتين بإصابات خطيرة وبالرصاص الحي وكثير منهم كانوا ما زالوا في المستشفيات، المستشار خاطر أصدر قرارًا أسطوريًا في اليوم التالي بإطلاق سراح جميع الموقوفين، ولما اعترض عليه رئيسه في العمل النائب العام وسأله عن سبب امتناعه عن عرض المتهمين على المصابين للتعرف عليهم أو طلب تحريات الجهات المختصة عن الموقوفين أو غير ذلك من إجراءات بديهية في وقائع قتل وشروع في قتل، هرب مصطفى خاطر إلى إعلام الفلول وراح يسرب معلومات غير صحيحة عن أن النائب العام يجامل رئيس الجمهورية على حساب العدالة، وعمل فيها بطل، رغم أن ما فعله هو عمل سياسي بامتياز وإهدار لدماء مئات المصريين، لمجرد أن يحرج رئيس الجمهورية الذي قال قبلها بساعات إن النيابة تحقق مع المتهمين الذين اعترفوا بالاعتداء على المتظاهرين، مصطفى خاطر نفسه عندما عرض عليه شاب كان يحمل مسدسًا بدون ترخيص، قال إنه استلمه من صديق لإصلاحه، أمر بحبسه أربعة أيام مع مراعاة التجديد، وأمر بإرسال هاتفه المحمول إلى الجهات الفنية لفحصه وإعداد تقرير عن الصور التي فيه والاتصالات الصادرة والواردة وأمر بطلب تحريات الجهات المعنية عن هذا المواطن، واشتغلت آلة النيابة الصارمة، اشمعنى يا مصطفى بيه، هل لأن الإعلام ربط بين هذا الشاب وبين المهندس خيرت الشاطر قيادي الإخوان الذي شيطنه الإعلام الذي لجأت إليه في معركتك مع النائب العام، المثير للجنون أن نيابة مدينة نصر أيضًا هي التي قررت إطلاق سراح مواطن آخر قدمته الشرطة- وليس المتظاهرين- إلى النيابة بتهمة ضبطه متلبسًا في بيته بحيازة مدفع رشاش بعد مداهمة منزله بإذن من النيابة نفسها وبعد تقارير وتحريات الأمن حسب قولهم، مدفع آلي مش مسدس!!، وقررت النيابة إطلاق سراحه في نفس اليوم، وأترك للعقلاء أن يشرحوا لنا ما فهموه من تلك المقارنة، أيضًا ما حدث الأسبوع الماضي بالإسكندرية في محيط مسجد القائد إبراهيم عندما هاجم المئات من البلطجية والمجهولين المتظاهرين عند المسجد للتضامن مع الشيخ المحلاوي، وشاهد العالم كله على الهواء مباشرة وقائع الهجوم بالطوب والمولوتوف وحرق السيارات ونهب المحلات ونقل عشرات المصابين إلى المستشفيات، وألقت الداخلية القبض على أكثر من خمسين متهمًا في تلك الأحداث، وعرضتهم على النيابة التي قامت- مشكورة- بإطلاق سراح الجميع!!، بينما في القاهرة بعد أيام من تلك الواقعة تظاهر عشرة مواطنين أمام نادي القضاة فأطلق وكلاء النيابة النار عليهم من داخل النادي فقذف بعضهم "كام طوبة" تجاه النادي، فقام وكلاء النيابة باختطاف ثلاثة منهم إلى داخل النادي وتعذيب أحدهم والتحقيق معهم- كده بالدراع- ثم قامت نيابة قصر النيل بحبس هؤلاء الشبان الثلاثة أربعة أيام وربما لبسوهم قضية شروع في قتل،.. هل يمكن لمواطن مصري أن يثق في مثل هذه الإجراءات المتناقضة التي يراها تعمل على بوصلة السياسة وبحرها الهائج، هل يمكن أن ننفي شكوك الملايين في أن النيابة تستخدم أدوات العدالة لتوظيفها لصالح توجهات سياسية يوالونها وانحيازًا لبعض القوى السياسية ضد قوى سياسية أخرى، ما يحدث خطير جدًا، والقضاء المصري لم يكن في يوم من الأيام في مثل هذه الحالة من البؤس والسوء وفقدان التوازن.



المصدر (http://www.almesryoon.com/permalink/71682.html)