((الـروقـي))
06-05-2007, 02:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الاول
أما بعد حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة الاسد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الاقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الاشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في تلك الايام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والادب أفاده للطالعين ونزهة للسامعين فنقول والله المستعان : أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ولد نزار بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولاد من الذكور كل منهم بالفضل والبأس مشهور وهم : مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار ومنهم تشعبت قبائل الاعراب وملات البراري والهضاب فمن نسل أباد ملوك التابعه الذين أخبارهم بين الناس شائعه ومن نسل ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه الى قسمين وهما قيس ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر الاقفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر الامير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس المشهور صاحب هذه السيرة ووقائعها الشهيرة .
(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من جملة ملوك العربان وأخوه عروة من الامراء والاعيان وكانت منازلهم في تلك الايام في أطراف بلاد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولاد مثل الاقمار وهم كليب الاسد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعيان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع تعارك الاسود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما الامير مرة له عدة أولاد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض الايام أن الاميرة مرة دخل على أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لابنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام :
يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر
ربيعة ياأخي اسمع كلامي أيا قهار فرسان الجبابر
أريد ضباع بنتك ياربيعه الى همام يافخر الاكابر
ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر
وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لاتشاور
وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر
تبدي له ربيعه ثم قال له كلامك ياأخي مثل العنابر
تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لابنك لاتشاور
ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر
ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر
ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر
وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر
هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر
فلما فرغ ربيعه من كلامه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم وعقدوا عقد الامير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت عادة الملوك العظام فأولموا اولائم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على الامير همام فكانت ليلة عظيمة لم يسمع بمثلها في الايام القديمه حضر فيها كثير من سادات العرب وأهل المناصب والرتب ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لانها كانت تحبه محبة شديدة وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الان .
هذا ماكان من خبر بني قيس المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الان عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك الايام من الامور والاحكام والحروب والاهوال في ميادين القتال فنقول وعلى الله الاتكال .
أنه كان في قديم الزمان في بلاد اليمن ملك عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو أول اليمنيه كما كان ربيعه أول القيسيه وكان شديد الاس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه ولايعرف الحلال من الحرام ولايحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملاح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله الغريبه واصطلاحاته العجيبه كما ذكر أصحاب الرايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج
وتعلل له الخاطر والمزاج وكان عنده من الابطال والفرسان ألف ألف عنان وهم عشرة كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على الاقران بفعل الخير والاحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض الاعوام وفي يوم من الايام أن ألتقى تبع مع نبهان وقال له في الديوان بحضور الامراء والاعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الارض ووقف في مقام العرض وقال أعطني الامان ياملك الزمان وانا أحدثك بأخبار ملوك الامم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر
فقال قل وعليك الامان من نوائب الزمان .
فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه لايوجد مثلك في هذه الاقطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والامطار ولكن يوجد خارج البحار عرب من أهل الشجاعه والاقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب والغارات وقائع مهوله مريعه وهم أعظم من وأكثر بأسا ،فلما انتهى الوزير من الكلام وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك وتأثر وكان عليه أشد من ضرب السيف الابتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلام الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام الامر كذالك لابد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلادهم وديارهم وأمحو بالسيف آثارهم وأتملك الديار بالقوة والاقتدار ثم أنشد هذه الأبيات على مسامع الامراء والسادات :
يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا
ملكت الأرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الأرض سورا
وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا
لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا
وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الأرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا
أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا
وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا
ثلاث شهور أسرع لا تطول يكون كل ماقلته حضورا
أسير بهم الى تلك الأراضي وأملك القلاع والقصورا
ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا
ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا
( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلامه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم يعد يمكنه الا الامتثال وتجهيز الفرسان والابطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل والنحاس لاجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلاث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك الى ملك حتى أتصل الى الامير حسان سيد بني هلال المشهور بالاحسان والافضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك الأ ير اد والمسير الى تلك البلأ د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فر ق عليهم السلاح وآلات الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف بطل مغوار وحضرو الى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولانبحل بارواحنا عليك فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالاستعداد والرحيل على غزوة بني قيس وتلك البلاد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى سلاحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلاح الكامل وألاستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال :
يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي
أتتني عساكر كالأسد تسري ألوف راكبين على جياد
عليهم كل درع من حديد له زرد كما عين الجراد
وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد
برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي
أسير بهم لذاك البر حالا وأقتل كل من يطلب عنادي
وأرجع غانما في طيب عيش ولايبقى لتبع من يعادي
ألا يا عسكر قروا وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي
ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد
فلما فرغ من شعره ونظامه صرخت الامراء وأكابر القواد والجيوش والعساكر والاجناد ودعوا للملك بالنصر وطول العمر وقد استبشروا في غزوة تلك البلاد وايقنوا بالنجاح وبلوغ المراد ثم نزلت العساكر والاجناد في المراكب مع الامراء والقواد ، وكان الملك حسان قبل خروجه من الاوطان فقد سلم زمام ملك اليمن الي الصحصاح بن حسان وهو ملك كبير وفارس شهير كان يميل اليه ويعتمد عليه فأوصاه أن يجمع له المال في كل عام ويرسله الي بلاد الشام ثم نزل مع الوزير في مركب كبير وأقلعوا من الأوطان وقصدوا بلاد الجبش والسودان . وعند وصولهم الي ذلك الجانب القوا المراسي ونزلوا الي البر بالقوارب ونصبوا الخيام والمضارب وفي الحال ارسل الملك تبع وزيرا اسمه زيد بن عقبه بألف فارس منتخبه ليعلم ابن أخته الرعيني بقدومه الي تلك الأقطار لانه كان ملك هاتيك الديار ويأمره بسرعة الحضور وتقديم الذخر الي الجيش والعسكر فلما علم الرعيني بذلك الخبر بادر في الحال بالفرسان والابطال والمهمات الثقال الي أن التقى به في الصيوان ومن حوله الوزراء والاعيان فدخل وسلم عليه وقبله بين عينيه وقدم له الذخائر والمهمات لتلك الجهات فأعلمه بواقعة الحال وأنه قاصد غزو بني قيس وتلك الاطلال ثم باتوا تلك الليلة في الخيام وفي الصباح أمر الملك العشرة ملوك العظام ان يتأهبوا للرحيل الي بلاد الشام وان ينقسموا الي قسمين ويتفرقوا الي فريقين فخمسة تسير من اليمين وخمسة تسير من على الشمال وأوصاهم أنهم كل ما أقبلوا الي مدينة يملكوها في الحال ويقيمون فيها نائبا من سادات الرجال فأجابوا أمره بالخضوع والامتثال فعند ذلك دقت الطبول والزمور وركبت الفرسان ظهور الخيول وارتفع الصياح ولمع السلاح وترتبت الكتائب وسارت المواكب في تلك البراري والسباسب وكانوا كلما وصلوا الي مدينه او بلد امتلكوها بحد السيف المهند حتى ملكوا البلاد وطاعتهم العباد ومازال تبع يتقدم حتى أقبل الي مدينة الشام فأحاط بها من جميع الجوانب بالمواكب والكتائب وكان نائب الملك ربيعه في دمشق الشام يدعى يزيد بن علام وكان ربيعة واخوه مرة في وادي الانعمين وهو مكان بعيد عن المدينة مسافة يومين فأرسل الملك تبع الي نائب الامير ربيعة أحد الوزراء العمد يطلب منه الخضوع لامره وتسليمه .
فلما وصل اليه ودخل عليه وأعلمه بالخبر وما قال تبع وأمره فأجاب بالسمع والطاعة ونهض مسرعا في تلك الساعة وأخذ معه الاموال والذخائر وخرج في جماعة من الاكابر حتى التقى بتبع في الخيام فحياه بالسلام فترحب به غاية الترحيب وأمر له بالجلوس فجلس بمكان قريب منه فقال تبع هل أنت حاكم الشام قال نعم أيها الملك الهمام فساله عن حكم ربيعه فقال له
ظالم على قومه وكل الرعايا تشكوا من ظلمه وتتمنى له الاذى والضرر والموت الاحمر والحمد لله رب البريه الذي أعاننا بك حتى نتخلص من نير العبوديه فسنخدمك خدمة مرضيه ونصير لك من جملة الرعيه وماقوله ذلك لتبع الا من الخوف والفزع فتبسم تبع من هذا الكلام وقال ابشر ببلوغ المرام فانك ستكون نائبي في بلاد الشام وتحمل لي الخراج في كل عام فقال سمعا وطاعه ياملك الزمان وجوهرة هذا الاوان ثم عرض عليه الذخائر وماجاء به من نفيس الجواهر فانشرح صدر تبع وخلع عليه وقال له أذهب الان الى وجوه اهل المدينه وباشر في الضيافات والزينه فاننا سنحضر الى عندك بعد ثلاثة ايام ونتفرج على الشام ونرجع الى المضارب والخيام فقال اهلا وسهلا الارض ارضك والبلاد بلادك ثم ودع الملك وسار بمن معه من الاكابر والتجار وأخذ يسعى في امر الوليمه وقد خامرت معه اهل الشام خوفا من السبي والهزيمه .
هذا ماجرى لهؤلاء من الاخبار وأما ماكان من ربيعة وبني قيس الاخيار فانهم لما سمعوا بقدوم الملك تبع الى الديار وافتتاحه المدن والامصار اخذهم القلق والافتكار وكان قد بلغ ربيعه قول زيد الى تبع حسان وكيف انه نسبة الى الظلم والعدوان مع انه كان من أعدل ملوك الزمان اخذه الغضب والقلق وزاد به الحنق فجمع اكابر قومه واخيه مرة ومن يعتمد عليهم من أهل الشجاعه والقدرة وجعل يخاطب الامراء والسادات بهذه الابيات :
غنا ربيعه شعرا من ضمايره ودمع العيون على الوجنات طوفان
ياقومنا اسمعوا وامتثلوا قولي انتم بنو قيس ابطال وشجعان
كنا بخير والسعد يخدمنا نقري الضيوف ونكسي كل عريان
والجوخ والخز السمور يأتي لنا من ساير الارض والملبوس ألوان
جاءنا من البحر ذا التبع يحاربنا صعب المراس شديد البطش سلطان
معه رجال عوابس الف الف بطل من كل ضرغام قلبه مثل صوان
حاز البلاد وما أمير خالفه الكل طاعته القاصي مع الدان
أتى الينا وماحسب حساب لنا منا ومن غيرنا هو ليس فزعان
معاه عسكر كثير ما له عدد ابطال حرب وفرسان شجعان
انا بقيت كبير السن ياعربي مالي جلد في اللقا وسط ميدان
مرة أخرى بهذا الرأي ساعدني همام ياأبن أخي ماكنت كسلان
مايترك الكأس من يديه ولاساعه الا بوقت اللقا أو بعض أحيان
كيف العمل ننهزم أو نقابله شوروا للصواب أخوتي وخلان
فلما فرغ ربيعه من شعره قالت السادات والفرسان عن فرد لسان أن هذا الامر لايطاق وعلقم مر المذاق وليس لنا غير الهزيمه فهي أوفر غنيمه والا حكم سيفه ولاشانا عن بكرة أبينا وبعد مداوله طويلة وجلسه مستطيله استقر رأي الجمهور على أن يذهبوا الى عند تبع المذكور فيسلموا عليه ويقبلوا يديه ويطلبون لانفسهم الامان ويقدموا له التحف الحسان لعلهم يتخلصون بهذه الوسيلة من تلك الورطه الوبيله هذا ماكان من أمر بني قيس وأما الملك تبع فانع في اليوم الثالث ركب في وجوه قومه وتوجه الى مدينة الشام لاجل الزيارة كما تقدم الكلام .
فلما بلغ الغايه ووصل السرايه التقاه زيد بالتعظيم والاكرام واجلسه في أعز مقام وصنع له وليمه عظيمه ذات قدر وقيمه فأحسن اليه وخلع عليه وفرق التحف الثمينه على اكابر اهل المدينه ثم رتب الخراج في كل عام وبعد ذلك رجع الى المضارب والخيام وهو مسرور الفؤاد على المرام وأما بنو قيس فانهم جمعوا التحف الحسان والاموال التي يكل عن وصفها اللسان من عقود وجواهر ومهمات وذخائر وقماش فاخر وحملوها على مائة جمل وركب ربيعه مع أخيه مرة في مائة بطل وسار معهما جماعه من الامراء والقواد الذين عليهم الاعتماد وجدا في قطع البراري والقفار حتى وصلوا الى تلك الديار وعند وصولهم الى المضارب نزلوا عن ظهور الجنائب واجتمعوا بخزندار الملك تبع وكان اسمه ثعلبه حسان ويعلمه ابن الابشع فقدموا له التحف الحسان ليقدمها الى الملك تبع حسان ويعلمه بقدومهم الى الديار فقدمها الخزندار وليعلم بمجىء القوم في مثل ذلك اليوم مرادهم الدخول عليه ليتشرفوا بتقبيل يديه ورجليه ويحصلوا على أمانة ويكونوا من جملة خدامه وأعوانه فتبسم تبع والتفت الى وزيره نبهان وقال له اين ملوك قيس العظام الذين كنت قلت عنهم ماهو كذا وكذا من كلام واني لاأصلح ان اكون من جملة خدامهم وهم قد حضروا الان لتقبيل أقدامي ليكونوا من جملة أعواني وخدامي فقال الوزير وقاك الله من كل شر وضير وجعل عاقبة هذا الامر الى خير فبينما هم في الحديث والكلام أذا دخل على الملك أمراء بنو قيس الكرام فقبلوا الارض بين يديه ووقعوا على رجليه فأخذ تبع ينظر
اليهم ويتأمل فيهم فحانت منه التفاته فنظر الامير ربيعه واقف في باب الصيوان وهو مثل الاسد الغضبان وكان الامير ربيعه لم يدخل مع قومه على الملك حسان لان نفسه ماكانت تطاوعه على الذل والهوان فالتفت الملك تبع الى الترجمان وقال من يكون هذا الانسان فأني أراه معجب بنفسه غاية الاعجاب ولا حاسب لي أدنى حساب فسأل الترجمان عنه فقالوا العشمشم سيد بني قيس الامير ربيعه المعظم .
فلما سمع تبع هذا الخبر شخر ونخر وتبدل بكدر واحمرت عيناه حتى صار مثل الجمر ثم ناداه فحضر وقد تعجب من عظم هيبته وبياض لحيته فسلم ربيعه عليه ووقف بين يديه فقال تبع أأنت سيد بني قيس الكرام فقال نعم أيها البطل الهمام وقال ولماذا أسأت الادب وإحتقرتني دون باقي أمراء العرب الذين تمثلوا أمامي وقبلوا يدي وأقدامي فتقدم الان وقبل رجلي يامهان وإلا قتلتك بحد الحسام وجعلتك عبرة بين الانام .
فقال ربيعه وقد استعظم ذلك الامر واحمرت عيناه من الغيظ حتى صارت مثل الجمر لانه كان من اشرفهم حسبا واعلاهم نسبا ثم قال اعلم ياملك الزمان بأنني ملك من ملوك العربان صاحب قدر وشان وماذلت نفسي لانسان وهذه هي وبلادي وملك أبائي واجدادي وأنا ماتعديت عليك وماأوصلت أذيتي اليك بل أنت شنيت علينا الغارة وأمتلكت بلادنا والحقت بنا الخسارة وذلك بدون سبب من الاسباب فكفى الذي فعلته أيها الملك المهاب وقد بلغت منا قصدك فلا أنت تقبل يدي ولا أنا أقبل يدك فلما سمع هذا المقال خرج عن دائرة الاعتدال وقال يانذل بني قيس ومن هو أذل من التيس أني ماأتيت من بلادي بهذا الجمع المتزايد الا لاجعل زمام الدنيا في قبضة ملك واحد ثم بعد هذا الكلام صاح على الاعوان والخدم بصوت كالرعد في الغمام ياويلكم اقبضوا على هذا الشيخ الكبير ومن معه من بني قيس الطناجير وقيدوهم بالجنازير فامتثلوا أمرة في الحال وقيدوا ربيعه وباقي الرجال وبعد أن قيدوه وأوثقوه أمر الملك بشنقه فشنقوه وهكذا انتهت حياته وانقضت أيامه وساعاته وبقي معلقا ثلاثة أيام حتى جاء نائبه الامير زيد الى الشام فغسله وكفنه ثم وراه التراب ودفنه ثم جاء في باقي الرجال وأرادوا أن يفعلوا بهم مثل تلك الفعال فانهزم الامير مرة من بين أيدي الفرسان وتقدم الى عند الملك تبع حسان وقال الامان ياملك الزمان نحن الآن عبيدك وطوع يديك وجميع أمورنا راجعة اليك فاعفوا عنا فقد صرت لنا ملك ثم انه ابعد هذا الحديث والكلام أشار يخاطبه بهذا الشعر والنظام :
مقالات لمرة في بيوت صروف الدهر قد جارت علينا
الايا أمير تبع يامسمى أيا ملك الورى في العالمينا
انا في جيرتك يافخر قومك أجبرنا لاتشفي الضد فينا
قتلت أخي ربيعه يامكنى وأسقيت العداء والحاسدينا
وتقتلني أنا ياأمير بعده تهد رجالنا طول السنينا
ونحن ياملك حكام مثلك على كل القبائل حاكمينا
فليس بواجب تهدم بيوتي ولاهذه فعال الماجدينا
وقد حاربنا وحكمت فينا ونحن اليوم في حكمك رضينا
وبعد اليوم صرنا لك رعايا على طول الليالي والسنينا
وندفع كل عام عشر المال كله فاحكم ماتريد اليوم فينا
(قال الراوي) فلما سمع تبع شعره ونظامه وعرف قصده ومرامه عفى عنه وأعطاه الامان وكذلك صفح عن باقي الامراء والاعيان وجعلهم من جملة الرعايا والخدام يدفعون له الخراج في كل عام وقال لمرة ياسيد القوم قد صممت أن أتخذ مدينة كرسي مملكتي بعد هذا اليوم فسر أنت وأهلك من هذه الديار وتفرقوا في سائر الاقطار وكونوا لاوامري طائعين ولحكمي خاضعين سامعين .
ثم أنه قسمهم الى عدة فرق وأقام على كل فرقه ملك من سادات بني قيس الاعيان فجعل الامير مرة على الفرقة الاولى وأمرة أن يسكن مع قومه في نواحي بيروت وبعلبك والبقاع وجعل الامير عدنان على الفرقه الثالثه وأمره أن يقيم قي بلاد العراق وتلك المنازل والافاق زكان الملك تبع قد شتت بنو قيس بهذه الوسيله خوفا من أن يقع في مكيدة أو حيله ثم أنه التفت على الامير مرة وباقي السادات وأشار اليهم بهذه الابيات :
يقول التبع المدعو اليماني أبا مرة لكم مني الامان
الا ياقيس روحوا لاتخافوا فقد سدتم على أهل الزمان
ربيعه أنت يامرة بداله كبير القوم من قاص ودان
وأولادهم لهم موضع أبوهم وأنت أكبرهم فيهم تعاني
ولكن خلق لاتسكنوها وكونوا في أمان مدى الزمان
فلما فرغ تبع من كلامه وشعره ونظامه أجابت بنو قيس أمره بالامتثال وتفرقت جموعهم في البراري والتلال وهم يبكون على ماجرى عليهم وما وصل من الاذى اليهم كانوا في أرغد عيش وأهناه وفي عز وجاه كلمتهم بين الناس مسموعه وروايتهم فوق هام المجد مرفوعه لايعرفون الهم والكدر ولايأخذهم قلق ولا ضجر الى ان اصابتهم البليه وحلت بهم تلك الرزيه فبكوا على تفرق بعضهم البعض وتشتتهم في أقطار الارض .
ومن غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق هو ماجرى للاربعه أخوة الذين اشتهروا من بني قيس بالحميه والنخوه وذلك أنه كان لزوجة الامير ربيعه المذكورة والد كليب والزير الفارس المشهور أربعة أخوه من الذكور وهم جوشن وناجد وجودر والامير منجد الاسد الغضنفر وكانوا من أجود الناس قد اتصفوا بالشجاعه وقوة البأس .
فلما رأوا أفعال تبع الشنيعه وكيف أنه قتل صهرهم ربيعه ساءهم ذلك الامر وتوقد قلبهم من الغيظ بلهيب الجمر ولكنهم أخفوا الكمد وأظهروا الصبر والجلد فحملوا بيوتهم وعيالهم وساقوا غنمهم وجمالهم وجدوا في قطع البراري والاكام حتى وصلوا بلاد الشام فنزلوا بقرب صيوان تبع حسان فقال لهم من تكونوا من العربان فقال له ناجد أعلم أيها السيد الماجد أننا من خيار العرب أصحاب الحسب والنسب وكان الامير ربيعه متزوجا بأختنا جميله وكنا على زمانه في نعم جزيله والان قد أمسينا في ذل وهوان ليس لنا قدر ولا شان وقد قصدناك وأتينا اليك وجعلنا اعتمادنا بعد الله عليك لعلك ترحمنا وترثي لحالنا وتبلغنا غاية آمالنا وتجعلنا من جملة الاعوان والعبيد والغلمان فتستقيم أمورنا بعد الذل والكدر ونحظى بالشرف الرفيع وبلوغ الوطن فأعجبه كلامهم وبلغهم مرامهم وجعلهم من جملة وزرائه وأكابر أمرائه وكان يستبشرهم في أكثر الاوقات ويفضلهم على الرؤساء والسادات وكانوا يترقبون الفرص ليأخذوا بالثأر ويزيلوا عن قلوبهم الغصص ولما بلغ تبع الغايه دخل الى مدينة الشام ونزل بالسرايه فطاعته العباد وخضعت له جميع البلاد وشاع ذكره في الاقطار وتحدث به الملوك الكبار واستمر على هذه الحاله مدة ثلاثين سنه تهاديه الملوك الاكاسرة وتهابه الملوك القياصرة .
وكان قد بنى له قصرا مرتفع البنيان مشيد الاركان وجعل أبوابه من الفضة والذهب ورصع حيطانه بالجواهر والدرر فكان من عجائب الزمان وذلك لما فيه من التحف الحسان التي تدهش النواظر وتحير العقول والبصائر .
فاتفق ذات يوم بينما هو جالس في الديوان ومن حوله الاكابر والاعيان وهم يتحدثون بذكر نساء العرب اللواتي اشتهرن بالفضل والادب والحسن والجمال واللطف والكمال اذ قال بعض الوزراء انه لا يوجد في هذا الزمان بين بنات العربان في المحاسن والاوصاف البديعه أجمل من الجليلة ابنة أخي ربيعة وأخذ الوزير يطيب في أوصافها وآدابها وألطافها ثم قال في آخر الكلام ان هذه الصبية التي كأنها البدر التمام مخطوبة لابن عمها الامير كليب ومراده ان يتزوج بها في هذه الايام فهنيئا لمن كانت هذه زوجته وقرينته وحبيبتة .
فلما سمع تبع بذكرها وأنها من أجمل بنات عصرها اشتد غرامه بها وتعلق قلبه بحبها وكتب الى أبيها بالحال يأمره ان يرسل له الجليلة بدون اهمال لان مراده أن يتزوج بها ويكون صهره وبهذه الوسيلة يعلو بين الناس قدره ثم ختم الكتاب بهذا الشعر والنظام وبه يتهدده بالانتقام ان لم يتمثل الي هذا الكلام وأشار يقول :
يقول التبع الملك اليماني ملكت الارض والسبع البحار
ألاياغاديا مني لمرة على فرس تشابه ريح ساري
بحال وصول مكتوبي اليه فأعلمه بحالي وانتظاري
أيا مرة فأرسل لي الجليلة بلا أهمال من بين السراري
سمعت بأنها زينة مليحة ويخجل من حسنها ضوء النهار
وحين سمعت بها طار عقلي وقل اليوم مني اصطباري
أريد تكون باكر وسط قصري وتتسلطن على كل الجواري
وأرسل جزية السبع المواضي خزين في صناديق كبار
وأحضر ياملك مرة عندي وأخضع الي بذل وانكسار
وأدخل على الجليلة وسط قصري وأتمتع بها وأطفي لناري
وأن كانت كما وصفوا وقالوا سأمضي الليل معها مع نهاري
وأعطيك البقاع الى بعلبك وأرفع لك مقاما في جواري
وان ثم تمتثل قولي وأمري تراني جئتكم مثل الضواري
وأمحي جمعكم في حد سيفي وأنهب مالكم وأنال ثاري
ثم أمر تبع وزيره نبهان أن يركب في جماعة من الفرسان ويقصد تلك القبيلة ويسلم الكتاب الى مرة ويأتيه بالجليلة فامتثل أمره وسار وجد في قطع القفار حتى وصل الى تلك الديار فرأى القوم في سرور وأفراح وشرب مدام وأنشراح لانهم كانوا مهتمين في تلك الايام في جواز كليب بالجليلة بدر التمام .فلما سمع مره بقدوم وزير تبع خفق قلبه من شدة الخوف والفزع فنهض في الحال واستقبله ثم أتى به الي الخيام واحترمه غاية الاحترام وأمر الخدام ان يأتوا بسفرة طعام وآنية المدام فامتثلوا الي أمره كما ذكر وبعد أن أكلوا وشربوا ولذوا وطربوا قال الامير مرة الى الوزير أعلم أيها السيد الخطير لقد زاد سرورنا الآن وتزينت بقدومك الأوطان ثم ساله عن سبب زيارته وما هي غاية حضرته فقال أتيتك بكتاب من تبع ملك الاعارب وبه يطلب ابنتك أمراة له وأنت تعلم بطش هذا الجبار وفعله فقد قال المثل لاتعاند من اذا قال فعل وأنا والله في غاية الحياء والخجل وليس لي أرادة بهذا العمل ولكنني أتيتكم في زي رسول لأعلمك بالخبر اليقين وليس على الرسول الا البلاغ المبين ثم أخرج الكتاب وسلمه أياه ففتحه الأمير مرة وقرأه ولما وقف على حقيقة فحواه انقطعت أمعاءه وضل عقلة وتاه لانه اذا أبى وامتنع يقتله الملك تبع وأن أجابه الى ما يطلب يصير معيرة بين قبائل العرب وتشتمه الناس وتزدريه حيث كان قد أنعم بزواج ابنته الى كليب أبن أخيه فنهار وحار وأخذ يتأمل في عاقبة هذا العمل فلم يجد سوى الخضوع والامتثال لأوامر تبع في الحال خوفا من العواقب وحلول النوائب فالتفت الى الوزير نبهان وقال له أمام الامراء والاعيان ومن حضر في ذلك المكان لقد سوى أمره ورضاه لانه الملك الأكبر وبمصاهرته نحظى على الشرف الرفيع والحظ الاوفر وبعد ثلاثةأيام يكمل جهاز بالتمام فنضعه بالصناديق ونحمله على ظهور الجمال مع باقي الامتعه والأحمال وتركب الجليلة في هودجها وتسير أمام الفرسان وتذهب أنت معنا الى عند الملك تبع حسان فانشرح صدر الوزير بهذا الكلام وأيقن بالنجاح وبلوغ المراد والحصول على الخلوع والانعام فبات تلك الليلة وهو فرحان.( قال الراوي ) فهذا ما كان من الوزير نبهان وأما الأمير مره فانه استدعى بكليب سرا وقص ذلك الحديث عليه وقال أعلم يا ثمرة فؤادي ومن هو عندي أعز من أولادي أن الضرورة أحوجتني الي ذلك خوفا من الوقوع في المهالك وقد اعلمتك بما جرى وتجدد فما رأيك أيها البطل ألامجد فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال أرجوك أن تمهل الوزير ثلاثة أيام عن المسير حتى أنظر في هذا الامر العسير .( قال الراوي ) وكان لكليب صديق يتمنى له النجاح والتوفيق يدعى العابد نعمان وكان كثيرا ما يوعده بالخير والاحسان فقصده تلك الليلة وأخبره بما جرى وما كان من أمر الملك تبع حسان فقال له أبشر بالخير يا نور العين فان الرأي عندي أن تجهز مائه صندوق يكون كل واحد بطبقتين في الطبقة الواحدة تضع فارسا من أبطال المكافحة والمجادلة وفي الثانية جهاز الجليلة وانت تكون مهرجا لها أمام سادات الجليلة وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتنال المراد من رب العباد.وأعلم لاخفاك أنه عند وصولك الى هناك تجد سلسلة من النحاس الاصفر معلقة فوق الباب الاكبر وهي مرصدة من سحر هذا الزمان لهلاك من أراد الضرر للتبع حسان فتقع عليه بالحال وتذيقة الوبال فخذ لنفسك الحذر وأتكل على الله آله البشر فهو يحفظك ويحميك وينصرك على جميع أعاديك فاذا بلغت الارادة وفزت بالسعادة بنيت مسجد برسم العبادة وخذ لك هذا السيف الخشب به تنال القصد والارب وأشار يقول:
قال عمران ياأبن ربيعة أتاك الخير وسعدك تم
روح لقومك بشرهم وقول لعمك وابن العم
وبشر المسمى همام بأن الشمل اليوم يلتم
وقول السعد آتى لقيس وستوفي ثارك والدم
تأخذ ثأرك من التبع وتسقيه بكأس الخمر والسم
هذا السيف تقلد فيه وفي كفك ياأمير يتم
وألبس قموعة سموطه تبقى تضرب فيه بعزم
وحط بعينك عرق الشبا تبقى أحمر مثل الدم
حط عروسك في هودج وقودم بها زمام وزم
وسوى عرضك فشمرها احذر منه في حقك ذم
وان واحد قال لك ماتكون فأعجل وأعمل حالك صم
وألعب وارقص واتهرج واحفظ ما يخرج من الفم
علمت مرة والفرسان باكر لعندي تلتم
وأن دبرت هل رأي من خالف قولي يندم
وسير لعنده بالابطال قبل ما يغضب ونسم
سلسلة معمولة هناك يعلم السحر مع الظلم
تبين كل ساعة أعداء احذر منها لا تعدم
طيب قلبك لا تغتاظ من ذات العايق لا تهتم
سألت المولى ينصركم ويزيل عنكم كل الهم
فلما فرغ العابد من كلامه وعده كليب ببناء المقام على أحسن نظام ثم رجع على الاثر واعلم عمه بذلك الخبر وقال له يقتضي الان أن تبادر بإتمام هذا الشأن وننتخب مائة من الفرسان ونضعهم في الصناديق على ظهور الجمال مع باقي الجهاز والاموال في أمتعه وأحمال على عيون الرجال ويكونوا جميعا بالاسلحه الكامله والعدد الشامله وتركب الجليله هودجها وهي مزينه بالجواهر ويكون في صحبتها جماعة من السراري يدقون أمامها بالدفوف والمزامير وأنا أجعل نفسي مهرجا لحضرتها وقائد لزمام ناقتها وندخل على تبع بهذه الوسيله فان تمت عليه الحيله نلت المرام وأخذت ابنة عمي بحد الحسام وأكون قد بلغت أربي وأخذت بثأر أبي ومتى قتل الملك تبع يقع في قلب قومه الخوف والفزع .
(قال الراوي) فاستصوب الامير مرة كلام كليب وعلم انه سينال المراد بدون أدنى شك ولا ريب فقال لقد نطقت بالصواب وأشرت بالامر الذي لايعاب فافعل ماتريد أيها الفارس الصنديد .
وكان قد أمهل الوزير ثلاثة أيام حتى تتم هذه الامور والاحكام وقد أطلع مرة أبنته على ماتقدم ذكره وعلى قصد كليب فعله فلما كان يوم الارتحال انتخب كليب مائة من الابطال وقص على مسامعهم واقعة الحال ثم وضعهم في صناديق الاحمال وحملوهم على ظهور الجمال وكان من جملتهم الامير جساس وجماعة من عظماء الناس .
وركبت في هودجها الجليله وركب أيضا الوزير والامير مرة وجماعة من فرسان القبيله وتقلد كليب بالسيف من تحت الثياب ولبس فروا من جلود الثعالب والذئاب وأرخى له سوالف طوال من أذناب الكدش والبغال وركب على قطعة من قصب وحمل دبوسا من خشب وكان يقود بزمام ناقة الجليله أمام فرسان القبيله .
وكانت السراري تدق أمام الجليله بالمزاهر والدفوف والفرسان تلعب بالرماح والسيوف ومازالوا يقطعون البراري والاكام مدة ثلاثة أيام حتى أقتربوا من مدينة الشام فنزلوا هناك ونصبوا الخيام ورفعوا الرايات .
--------------------------------------------------------------------------------
الجزء الثاني
والاعلام وأرسلوا رجلا من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم الى البلد فسار على الاثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :
قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا
تبعت الرمل وأنا كنت طفلا وقبلته يمين مع يسارا
ولاأحد مثلي بالرمل عارف ولاغيري يعرف كيف سارا
أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا
الا ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم غارا
أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا
جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا
صناديق التي لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا
يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا
هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها خبارا
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا الى العمارة وكل صندوق تلاقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد الى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية لالمائة عبد هذا في يده عصا والاخر في يده بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا الى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الاول والثاني الى العشرة فصاحت الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجالا فتقمت وفتحت لمه عشرة صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلام ثم يرجع الحديث الى عجوز يقال لها حجلان وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لامحاله فقالت خيرا لي أخذ الوجه الابيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت الى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لان الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلاف ذلك وضربت على الطبقه السفلى فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره الله وفتحوا صندوق واعطوها ثلاث بدلات حرير فقالت من الان وصاعدا أساعدكم على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت الى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لان العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك بضرب عنقه وراحت روحه الى الوادي الاحمر وتقدمت العجوز الى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها الله من الحسن والجمال :
تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود
يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود
أتوك بني قيس أهل السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود
وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود
وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف ترخى الجعود
بشعر طويل وشعر كحيل بلا جرميل تصيد الاسود
حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على النهود
وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود
ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد
وجسم رقيق وريق رحيق وسنان لولو سبت الورود
لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود
اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق الزنود
وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود
وصدر كاللوح خلقه الاله وقد زين الصدر جوز النهود
وأعطاف وأرداف مثل العجين خلق الاله مهيمن ودود
أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود
أما القلائد مناسل ذهوب من الراس مكعوب مثل البنود
وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود
وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه شارد شرود
قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لاجلك كل هم وكود
للملك حقا قد أحضروا مليحه حلالها يزيل النقود
فأرسل وراها وخلى المحال واسمع كلامي واجلي الصدود
وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود
( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها السلام وآنسها بالحديث والكلام وقال لها أهلا وسهلا بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لانها كانت متصفه بالادب ومن أجمل نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلام الدلال أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف لا وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الاوان الله يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لاتترك ابي وأعمامي وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لانهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه بصناديق جهازي وباقي الاحمال تحضر الى هنا في الحال لانها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولاد عم .
( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من الاعيان ويعد الى الامير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر مولاه من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير الامر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت الملك تبع الى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي الا أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ يترحب بالجليله ويقول :
يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني
الا يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني
ترى لولا الجليله لي تعاتب وجابت لي الحسب والنسب مني
فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني
فلا تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم مني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع الى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب الى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان الى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها الى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله الى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله الى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة
شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة
بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة
وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة
الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل الى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله الى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد انقطع من الخوف وأيقن بالهلاك والقلعان فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان أن تعفو عني وتسمح عما فرط مني فقال لابد من قتلك كما قتلت أبي وأكون قد أخذت ثأري وبلغت أربي فقال تبع اذا كان لابد لك من هذا الشان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث الى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
الملحمة الكبرى للتبع حسان
يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي
واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي
أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد
أريد اليوم أن أعلمك شيئا لتعرف حال أخبار العباد
فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد
وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل الفساد
وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلاص لكي ينادي
نبي لم يكن في الناس مثله لان الله اختاره يفادي
فكم ميت بكلمته أقامه وسقيم شفاه من الامراض
وعندي قد تبين بالملاحم بأنك قاتلي دون العباد
وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في البلاد
وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد
وتكتب بدمائك على البلاطه لمن بعدك لتشتيت الأعادي
ويأتي أبو ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلاد
ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلاد
وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى بالمسرة والمراد
ويظهر لك غلام بعد موتك يسمى الجرو قهار الأعادي
ويقتل الى جساس خاله وأما الزير تقتله الأعادي
وسيف ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد
ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد
ويظهر له ولد يدعى بدمر شديد اليأس مرفوع العماد
فيملك في بلاد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلاد
وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في يوم الطراد
وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد
واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلاد
وأبو بكر وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد
وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد
يموت الهاشمي ويصير خلف على الأحكام بعده عمر بالعباد
أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد
علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين الولاد
ولا يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد
وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي
وبعده بني العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد
وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد
يقيموا الشر في كل الأراضي ويملوا الأرض طرا بالفساد
وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلاد
هلال وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع أياد
حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار الأعادي
وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد
يطوفون البلاد فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد
ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد
وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس الخزاعي والأعادي
شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد
وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار الأعادي
كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلاد
وبعده نظهر الأشطان ظالم خبيث الأصل من قوم شداد
بنو أيوب تظهر بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد
ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد
ملوك الأرض تخشى من لقاهم لأن جيوشهم مثل الجراد
عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد
ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في كل البلاد
طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي
يقيم السيف في الأقطار عمدا ويجري الدم في كل البواد
ويظهر فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد
ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد
يطوب الأرض من شرق وغرب ويفعل معجزات في البلاد
ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي
فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في البلاد
وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلاد
ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد
وبعده الشمس تظهر من مغيب وتزداد الخلائق في الفساد
ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلاد
فلا نهر الفرات لهم يروى ولا سيعون ولا الدجلة المراد
ويغشى الأرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد
ونيران تعم الأرض طرا على أعلى الجبال وفي كل واد
وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد
فلا يصعد ولا يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد
وبعده يظهر من جهنم وينفخ ريح من أقصى البلاد
يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلاق العباد
وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان العباد
فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد
ولا تفرح عن حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
وأعلم ياأمير اني عتيقك مدى عمري الى يوم الميعاد
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي
أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد
أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد
فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد
هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي
جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد
فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي
فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال بالله عليك أيها السيد المحترم أن تعفو عن وتجعلني من الخدام فقال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني
ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس
ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس
طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس
تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس
فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس
أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس
الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس
فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس
وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس
وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس
أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس
أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس
فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس
دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس
وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك ثم وضع راس الملك على راس السنان وخرج الابطال والفرسان وطافوا في شوراع البلده وضربوا من وجدوه بالسيف المهند وهم يقولون عن فرد لسان هذا راس سيدكم حسان فقد عدمناه وقتلناه وارحنا الناس من شره وبلاه فمن عصى هلكناه ومن اطاع ابقيناه على قيد الحياه وله منا الامان على طول الزمان .
( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلاكه فاجتمعت العساكر والاعيان وطلبوا من كليب الامان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب الى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الاحدب ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والامراء والنواب فحكم معاملا الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الاحباب وزال عنهما الغم والاكتئاب وباتا في حظ وانشراح الى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .
( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع الزهور فأجابها الى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل الى الديوان وجمع الوزراء والاعيان وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه لايوجد في هذه الايام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق المرام الا معمر المختص بالريان ملك مصر لانه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان لايوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر تحتوي على جميع الاشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .
( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر الى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع ابن عم من الامراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الاخبار صمم على غزو بنو قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلاد الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الاخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والابطال ولما التقى الجيشان أمر كليب أن تقدم الفوارس الى ساحة الميدان وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الاخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان الامير كليب أول العسكر كانه الاسد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الاهوال فلله در الامير كليبب بطل الابطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم الاسود وانطبق على العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والارواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل الى ان ولى النهار وأقبل بالاعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الارض وعند الصباح رجعوا الى الحرب والكفاح فبرز الامير عمران الى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز الامير والابطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطالا وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد فالتقاه الامير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن الا ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم الى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه والقيسيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الاحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط الرمال حتى قتل سبعه من الابطال وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج الامير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به الى الخيام فعند ذلك برز الى عمران الامير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة بأس غير أنه لم ينجح في قتاله ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة الامير عمران في قلوب الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك الامر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد الا عمر فاذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح لانه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل الامير عمران الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين الابطال الصناديد لايبرز الا كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر والاحتيال فما تم كلامه حتى صار الامير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدت تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما قتلت الملك تبع الا لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلام اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما الابصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال الى قرب الزوال حتى تعجب عمران من ثبات كليب أمامه لانه كان يظن أنه لايوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح قاصدا هلاكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قطعتين وحسان عليه غراب البين وبعد ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والارواح من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل الامير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الاركان فولوا الادبار وركنوا الى الهرب والفرار فتبعهم كليب بالعسكر وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه ومازال تابع آثارهم حتى دخل ديارهم فخرجت اليه أكابر البلاد طالبين العفو والامان فأجابهم كليب الى ذلك الشأن وأرتد راجعا الى الشام بعد أن رتب عليهم خراجا يدفعونه في كل عام فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والاوان لانه في غاية الانفاق ولاسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الاشجار والفواكه والاثمار والمياه الغزيرة والزهور الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات فربتهن بالدلال والعز والاقبال فاتفق له ذات يوم من الايام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني الاعجام وبعد أن دار بينهم الكلام قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والاغنام لسبب كثرة المواشي الازدحام فمرادي الان أن أرحل عنك بأنعامي ورجالي وباقي أموالي ولاشك بأننا في هذا الرحيل والانتقال تتحسن بنا الاحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلاد بلادنا ونحن ملوك الاقطار .
( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ وكبر في العمر فاقام الامير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالانصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن الا سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج الى الصيد والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك الايام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب لايخاف من أحد ولايهاب فصيح الكلام معكفا على شرب المدام وسناع الاصوات والانغام ينشد الاشعار البديعه ويأتي بالمعاني النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه لايتعرضه بأمر من الامور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه وأنه لايوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض الايام أراك يأخي منشغلا بالملاهي وشرب المدام فقلبك خالي من الهموم والاحزان كأنك لاتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لان الدهر دولاب سريع الانقلاب اذا أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ولا حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير لا أحسب حساب الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الاثقال وأجندل أمامك الابطال أنا الاسد الغالب فارس الكتائب والمواكب أنا قهار الاعادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلامه وتركه مشتغلا بشرب مدامه وارتد راجعا الى الديوان وقد راق له الزمان .
( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولاد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن الامير جساس لابد أن يقتل الامير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق الاعتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من جملتهم الامير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول :
على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال
تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ولا يبالي
ويأتي الزير بعده يا أمارة يشتت جمعنا بين الجبال
ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال
هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف الليالي
فيلزم أن تروح الى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي
فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الاماني
جليله عارقة في كل فن وتعرف في الزيارج والرمال
فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال
فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه الامير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلاث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والاكرام وأقاموا عندها ثلاثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه يظهر للزير شان ولأي شان فيقهر الابطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الادب وتنحط منزلتنا بين ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا الامر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف الامر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام الامر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي
تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول
ومن خلفه غدير وزير قان سباع الغاب في يوم المهول
وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول
وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس تلقب مثل الفحول
ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول
ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول
( قال الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والاكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الاحوال لانه كان يحبها محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودلالها ولاسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها
علامك ياجليلة مالي أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة الآبيات تقول :
مقالات الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا
وتحكم في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا
وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا
وأني بنت عمك يامسمى ومثلي ليس يوجد في البرايا
أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا
قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة وسط الخلايا
ألاياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا
وان لم تقتله حالا فاني أروح اليوم من وسط الخبايا
وتبقى الناس تشتم في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا
وهذا الآمر لايصلح لمثلك كريم الآصل عكاز المطايا
فاقتله واخلص من بلاه ولاتخشى أثام ولاخطايا
فقتل الزير أصوب من حياته لانه خائن دون البرايا
فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لانه كان في ذلك الوقت يشرب الخمر .
--------------------------------------------------------------------------------
الجزء الثالث
وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الاثر وحدث الامير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم الامر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه وضربه حتى الالمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال ورجع الى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ الامل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلاكة بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس فقال لها ما معنى هذا الكلام وما هو المراد بهذا التبويخ و الملالم قالت بلغنى من بعض الغلامان الذين يدورون مع الرعيان بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ولا خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا الشعر و المقال :
تقول الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك
وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك
وصار الناس بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك
أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك
فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة يجافوك
كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك
فاقتل أخوك في سيفك وإلا قومك قد لااموك
فكل العالم تحكي فيه يقول الزير بقى مهتوك
فهذا الاخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك
أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك
فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة الامر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة لا تقتلة يا أمير لان كلام الناس كثير فالاوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و الاسود فقتله هنا وتعود فتفترسة الوحوش و الاسود وتتخلص من كلام العباد فقال هذا هو الصواب و الامر الذي لا يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا بالاله حربة وجلادة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الارض وتأخر وإذا بسباع من بطن الوادي قد ظهر فلما رآه الاميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح
فاخطاه فتبعه الاسدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو
الاسد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح على اخيه ارجع يااخي ولاتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلام يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل الاسد والذي يكون مثله لايستاهل القتل بل يجب له الاكرام ثم أشار يقول :
يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح
كريم الاصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح
الا يابنت عمي يا جليله الا ياصاحبة الوجه المليح
نظرن اليوم من سالم فعالا يشيب لها الطفل الطريح
لقاني السبع من خلفي وزمجر فصار الزير من خلفه يصيح
فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح
ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع الجريح
طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح
فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح
رجعت اليه من فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح
مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح
( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام الامر كذلك فأني سأذهب نهار غد الى بيت أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لاني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لانه لابد أن يغدر بي لان عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ولا ناموس فقال أذكري الله يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي وهو من لحمي ودمي ولا سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لابد من قتله على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه الى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في البير ويموت ولايعلم به أحد وأشارت تقول :
ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة
أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة
أخوك الزير شوفه مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة
ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة
ياليت الزير ينقص من حداكم ولايبقى تظهر له خبارة
الا ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات الامارة
ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة
يبقى الزير هو ندل فيكم ليته لايطلب من الحرارة
قتل الزير أحسن من حياته ولا نهتك مابين الامارة
أقتل هل ردي لاعاش عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة
أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة
ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه من ذي شرارة
( قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ولا كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما لخاطرها فنهض ثاني الايام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم الى بير صندل وعند وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل الى البير فتملا دلو فقال حبا وكرامة ياأخي فدلوه في حبل وأخذ يملي الادليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملأوا الارض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والازدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع الى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك الله فيك اهكذا المفارقه فقال والله يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم الله قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين يطول :
يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل
جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل
أأقتله ليشفى اليوم قلبك ومنه قد ظهرت لنا فعايل
سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل
ثلاث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان القبايل
تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل
فاني لا أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل
أراكي تطلبي قتله سريعا فقولك عنه ليس له دلائل
فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل
فقلي من كلامك لاتعيدي أيا بنت الاماجد والاصايل
فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلامه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن قصدي امتحانك لارى هل أنت تحبه أو تبغضه لانه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلام النفاق حتى صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه اليك ولايقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لانه يقوي الاعصاب وانا في غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجلا لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما
انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما
وتحكم ياملك شرقا وغربا من ارض الروم للكعبة دواما
وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما
وكم أبراج من ذهب وفضه جواهر تشرق جناح الظلام
ولالك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما
اتاني منك سبع بنات اتاني ولاجاني منك ذكر غلاما
وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما
لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما
فنادىالزير واخبره سريعا ادام الله عمرك بالسلاما
(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولااخالفك بامر من الامور فاعلمة كليب بالوقعه
وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق الصغير وتملاة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا اخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة الاتستحي يازير
أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته وساعته وقد تاكد انها تريد هلاكة
وضررة وما زال يسير حتى وصل الى غابة كبيرة كثيرة الاشجار والصخور وليس معه سوى سكين وعصاه
فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر.
فلما اقترب منة قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلاع وخبط بة الارض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال
فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير ان يلاعبها قليلا وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا
منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل الى شجرة لبيرة فطلع اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم
اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي ظالبة مني اخي ثم اراد
النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار الغنم وملآ الحق من حليبها وقطع راسها وراس الاسد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلاب فلما اقبل الى الحي ولاقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك الامر واعتراهم العجب وعند وصولة الى القصر سمعت الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لانها كانت تظن انة يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لامراة اخيه وقال لها هل تجدين شيئا
اخر حتى أقضية فقالت بارك الله فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :
يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب
فلا تسمع أخي قول الاعادي لآن الضد شورة ليس صائب
يشوروا عليك في الاعادي ليسقونك أخي كأس العواطب
فأهل عليك في رأي وخيم لآن كلامها لاشك كاذب
فاعلم ياأخي في ماجرالي بهذا اليوم في وادي الثعالب
وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب
فلما شافني حالا أتاني وكشر عن سنانه والمخالب
فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب
حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للارض قالب
أتتني بعده لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب
رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب
فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة ذات الشناغب
فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب
حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
وراس السبع واللبوة قطتة علامة للاغارب والاقارب
وسقت أولادها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب
فلا قتني رجال قومي وجيتني الآقارب والآجانب
وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب
(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلامة فغضبت الجليلة
من كلام الزير وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لابد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها
كليب كيف يعلم اني ساعية في قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوالله ان الموت الذ عندي من الحياة فلا بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلام الان واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة بالاخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة
مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الآن ولا عدت ولا عدت تسمع مني غير هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد ووصف لة الاطباء شربة من
بير السباع اذا سمع منك هذا الكلام فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا راح لا يعود
يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا الامال
لانني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :
الا اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك
أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة
فارسلة غدا بير صندل وان ارستلة لهناك يقتل
ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور
فلما سمع كلامها أجابها الى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لانة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية بالكلام فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الاطباء شربة
ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت
تحبني أريد منك الان يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة الميدان أن تذهب الى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين الاسود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار الى أن ن وصل الى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة في البرية سوى
سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سر
الجزء الاول
أما بعد حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة الاسد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الاقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الاشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في تلك الايام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والادب أفاده للطالعين ونزهة للسامعين فنقول والله المستعان : أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ولد نزار بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولاد من الذكور كل منهم بالفضل والبأس مشهور وهم : مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار ومنهم تشعبت قبائل الاعراب وملات البراري والهضاب فمن نسل أباد ملوك التابعه الذين أخبارهم بين الناس شائعه ومن نسل ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه الى قسمين وهما قيس ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر الاقفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر الامير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس المشهور صاحب هذه السيرة ووقائعها الشهيرة .
(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من جملة ملوك العربان وأخوه عروة من الامراء والاعيان وكانت منازلهم في تلك الايام في أطراف بلاد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولاد مثل الاقمار وهم كليب الاسد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعيان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع تعارك الاسود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما الامير مرة له عدة أولاد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض الايام أن الاميرة مرة دخل على أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لابنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام :
يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر
ربيعة ياأخي اسمع كلامي أيا قهار فرسان الجبابر
أريد ضباع بنتك ياربيعه الى همام يافخر الاكابر
ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر
وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لاتشاور
وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر
تبدي له ربيعه ثم قال له كلامك ياأخي مثل العنابر
تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لابنك لاتشاور
ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر
ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر
ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر
وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر
هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر
فلما فرغ ربيعه من كلامه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم وعقدوا عقد الامير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت عادة الملوك العظام فأولموا اولائم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على الامير همام فكانت ليلة عظيمة لم يسمع بمثلها في الايام القديمه حضر فيها كثير من سادات العرب وأهل المناصب والرتب ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لانها كانت تحبه محبة شديدة وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الان .
هذا ماكان من خبر بني قيس المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الان عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك الايام من الامور والاحكام والحروب والاهوال في ميادين القتال فنقول وعلى الله الاتكال .
أنه كان في قديم الزمان في بلاد اليمن ملك عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو أول اليمنيه كما كان ربيعه أول القيسيه وكان شديد الاس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه ولايعرف الحلال من الحرام ولايحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملاح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله الغريبه واصطلاحاته العجيبه كما ذكر أصحاب الرايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج
وتعلل له الخاطر والمزاج وكان عنده من الابطال والفرسان ألف ألف عنان وهم عشرة كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على الاقران بفعل الخير والاحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض الاعوام وفي يوم من الايام أن ألتقى تبع مع نبهان وقال له في الديوان بحضور الامراء والاعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الارض ووقف في مقام العرض وقال أعطني الامان ياملك الزمان وانا أحدثك بأخبار ملوك الامم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر
فقال قل وعليك الامان من نوائب الزمان .
فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه لايوجد مثلك في هذه الاقطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والامطار ولكن يوجد خارج البحار عرب من أهل الشجاعه والاقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب والغارات وقائع مهوله مريعه وهم أعظم من وأكثر بأسا ،فلما انتهى الوزير من الكلام وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك وتأثر وكان عليه أشد من ضرب السيف الابتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلام الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام الامر كذالك لابد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلادهم وديارهم وأمحو بالسيف آثارهم وأتملك الديار بالقوة والاقتدار ثم أنشد هذه الأبيات على مسامع الامراء والسادات :
يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا
ملكت الأرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الأرض سورا
وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا
لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا
وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الأرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا
أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا
وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا
ثلاث شهور أسرع لا تطول يكون كل ماقلته حضورا
أسير بهم الى تلك الأراضي وأملك القلاع والقصورا
ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا
ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا
( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلامه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم يعد يمكنه الا الامتثال وتجهيز الفرسان والابطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل والنحاس لاجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلاث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك الى ملك حتى أتصل الى الامير حسان سيد بني هلال المشهور بالاحسان والافضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك الأ ير اد والمسير الى تلك البلأ د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فر ق عليهم السلاح وآلات الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف بطل مغوار وحضرو الى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولانبحل بارواحنا عليك فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالاستعداد والرحيل على غزوة بني قيس وتلك البلاد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى سلاحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلاح الكامل وألاستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال :
يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي
أتتني عساكر كالأسد تسري ألوف راكبين على جياد
عليهم كل درع من حديد له زرد كما عين الجراد
وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد
برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي
أسير بهم لذاك البر حالا وأقتل كل من يطلب عنادي
وأرجع غانما في طيب عيش ولايبقى لتبع من يعادي
ألا يا عسكر قروا وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي
ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد
فلما فرغ من شعره ونظامه صرخت الامراء وأكابر القواد والجيوش والعساكر والاجناد ودعوا للملك بالنصر وطول العمر وقد استبشروا في غزوة تلك البلاد وايقنوا بالنجاح وبلوغ المراد ثم نزلت العساكر والاجناد في المراكب مع الامراء والقواد ، وكان الملك حسان قبل خروجه من الاوطان فقد سلم زمام ملك اليمن الي الصحصاح بن حسان وهو ملك كبير وفارس شهير كان يميل اليه ويعتمد عليه فأوصاه أن يجمع له المال في كل عام ويرسله الي بلاد الشام ثم نزل مع الوزير في مركب كبير وأقلعوا من الأوطان وقصدوا بلاد الجبش والسودان . وعند وصولهم الي ذلك الجانب القوا المراسي ونزلوا الي البر بالقوارب ونصبوا الخيام والمضارب وفي الحال ارسل الملك تبع وزيرا اسمه زيد بن عقبه بألف فارس منتخبه ليعلم ابن أخته الرعيني بقدومه الي تلك الأقطار لانه كان ملك هاتيك الديار ويأمره بسرعة الحضور وتقديم الذخر الي الجيش والعسكر فلما علم الرعيني بذلك الخبر بادر في الحال بالفرسان والابطال والمهمات الثقال الي أن التقى به في الصيوان ومن حوله الوزراء والاعيان فدخل وسلم عليه وقبله بين عينيه وقدم له الذخائر والمهمات لتلك الجهات فأعلمه بواقعة الحال وأنه قاصد غزو بني قيس وتلك الاطلال ثم باتوا تلك الليلة في الخيام وفي الصباح أمر الملك العشرة ملوك العظام ان يتأهبوا للرحيل الي بلاد الشام وان ينقسموا الي قسمين ويتفرقوا الي فريقين فخمسة تسير من اليمين وخمسة تسير من على الشمال وأوصاهم أنهم كل ما أقبلوا الي مدينة يملكوها في الحال ويقيمون فيها نائبا من سادات الرجال فأجابوا أمره بالخضوع والامتثال فعند ذلك دقت الطبول والزمور وركبت الفرسان ظهور الخيول وارتفع الصياح ولمع السلاح وترتبت الكتائب وسارت المواكب في تلك البراري والسباسب وكانوا كلما وصلوا الي مدينه او بلد امتلكوها بحد السيف المهند حتى ملكوا البلاد وطاعتهم العباد ومازال تبع يتقدم حتى أقبل الي مدينة الشام فأحاط بها من جميع الجوانب بالمواكب والكتائب وكان نائب الملك ربيعه في دمشق الشام يدعى يزيد بن علام وكان ربيعة واخوه مرة في وادي الانعمين وهو مكان بعيد عن المدينة مسافة يومين فأرسل الملك تبع الي نائب الامير ربيعة أحد الوزراء العمد يطلب منه الخضوع لامره وتسليمه .
فلما وصل اليه ودخل عليه وأعلمه بالخبر وما قال تبع وأمره فأجاب بالسمع والطاعة ونهض مسرعا في تلك الساعة وأخذ معه الاموال والذخائر وخرج في جماعة من الاكابر حتى التقى بتبع في الخيام فحياه بالسلام فترحب به غاية الترحيب وأمر له بالجلوس فجلس بمكان قريب منه فقال تبع هل أنت حاكم الشام قال نعم أيها الملك الهمام فساله عن حكم ربيعه فقال له
ظالم على قومه وكل الرعايا تشكوا من ظلمه وتتمنى له الاذى والضرر والموت الاحمر والحمد لله رب البريه الذي أعاننا بك حتى نتخلص من نير العبوديه فسنخدمك خدمة مرضيه ونصير لك من جملة الرعيه وماقوله ذلك لتبع الا من الخوف والفزع فتبسم تبع من هذا الكلام وقال ابشر ببلوغ المرام فانك ستكون نائبي في بلاد الشام وتحمل لي الخراج في كل عام فقال سمعا وطاعه ياملك الزمان وجوهرة هذا الاوان ثم عرض عليه الذخائر وماجاء به من نفيس الجواهر فانشرح صدر تبع وخلع عليه وقال له أذهب الان الى وجوه اهل المدينه وباشر في الضيافات والزينه فاننا سنحضر الى عندك بعد ثلاثة ايام ونتفرج على الشام ونرجع الى المضارب والخيام فقال اهلا وسهلا الارض ارضك والبلاد بلادك ثم ودع الملك وسار بمن معه من الاكابر والتجار وأخذ يسعى في امر الوليمه وقد خامرت معه اهل الشام خوفا من السبي والهزيمه .
هذا ماجرى لهؤلاء من الاخبار وأما ماكان من ربيعة وبني قيس الاخيار فانهم لما سمعوا بقدوم الملك تبع الى الديار وافتتاحه المدن والامصار اخذهم القلق والافتكار وكان قد بلغ ربيعه قول زيد الى تبع حسان وكيف انه نسبة الى الظلم والعدوان مع انه كان من أعدل ملوك الزمان اخذه الغضب والقلق وزاد به الحنق فجمع اكابر قومه واخيه مرة ومن يعتمد عليهم من أهل الشجاعه والقدرة وجعل يخاطب الامراء والسادات بهذه الابيات :
غنا ربيعه شعرا من ضمايره ودمع العيون على الوجنات طوفان
ياقومنا اسمعوا وامتثلوا قولي انتم بنو قيس ابطال وشجعان
كنا بخير والسعد يخدمنا نقري الضيوف ونكسي كل عريان
والجوخ والخز السمور يأتي لنا من ساير الارض والملبوس ألوان
جاءنا من البحر ذا التبع يحاربنا صعب المراس شديد البطش سلطان
معه رجال عوابس الف الف بطل من كل ضرغام قلبه مثل صوان
حاز البلاد وما أمير خالفه الكل طاعته القاصي مع الدان
أتى الينا وماحسب حساب لنا منا ومن غيرنا هو ليس فزعان
معاه عسكر كثير ما له عدد ابطال حرب وفرسان شجعان
انا بقيت كبير السن ياعربي مالي جلد في اللقا وسط ميدان
مرة أخرى بهذا الرأي ساعدني همام ياأبن أخي ماكنت كسلان
مايترك الكأس من يديه ولاساعه الا بوقت اللقا أو بعض أحيان
كيف العمل ننهزم أو نقابله شوروا للصواب أخوتي وخلان
فلما فرغ ربيعه من شعره قالت السادات والفرسان عن فرد لسان أن هذا الامر لايطاق وعلقم مر المذاق وليس لنا غير الهزيمه فهي أوفر غنيمه والا حكم سيفه ولاشانا عن بكرة أبينا وبعد مداوله طويلة وجلسه مستطيله استقر رأي الجمهور على أن يذهبوا الى عند تبع المذكور فيسلموا عليه ويقبلوا يديه ويطلبون لانفسهم الامان ويقدموا له التحف الحسان لعلهم يتخلصون بهذه الوسيلة من تلك الورطه الوبيله هذا ماكان من أمر بني قيس وأما الملك تبع فانع في اليوم الثالث ركب في وجوه قومه وتوجه الى مدينة الشام لاجل الزيارة كما تقدم الكلام .
فلما بلغ الغايه ووصل السرايه التقاه زيد بالتعظيم والاكرام واجلسه في أعز مقام وصنع له وليمه عظيمه ذات قدر وقيمه فأحسن اليه وخلع عليه وفرق التحف الثمينه على اكابر اهل المدينه ثم رتب الخراج في كل عام وبعد ذلك رجع الى المضارب والخيام وهو مسرور الفؤاد على المرام وأما بنو قيس فانهم جمعوا التحف الحسان والاموال التي يكل عن وصفها اللسان من عقود وجواهر ومهمات وذخائر وقماش فاخر وحملوها على مائة جمل وركب ربيعه مع أخيه مرة في مائة بطل وسار معهما جماعه من الامراء والقواد الذين عليهم الاعتماد وجدا في قطع البراري والقفار حتى وصلوا الى تلك الديار وعند وصولهم الى المضارب نزلوا عن ظهور الجنائب واجتمعوا بخزندار الملك تبع وكان اسمه ثعلبه حسان ويعلمه ابن الابشع فقدموا له التحف الحسان ليقدمها الى الملك تبع حسان ويعلمه بقدومهم الى الديار فقدمها الخزندار وليعلم بمجىء القوم في مثل ذلك اليوم مرادهم الدخول عليه ليتشرفوا بتقبيل يديه ورجليه ويحصلوا على أمانة ويكونوا من جملة خدامه وأعوانه فتبسم تبع والتفت الى وزيره نبهان وقال له اين ملوك قيس العظام الذين كنت قلت عنهم ماهو كذا وكذا من كلام واني لاأصلح ان اكون من جملة خدامهم وهم قد حضروا الان لتقبيل أقدامي ليكونوا من جملة أعواني وخدامي فقال الوزير وقاك الله من كل شر وضير وجعل عاقبة هذا الامر الى خير فبينما هم في الحديث والكلام أذا دخل على الملك أمراء بنو قيس الكرام فقبلوا الارض بين يديه ووقعوا على رجليه فأخذ تبع ينظر
اليهم ويتأمل فيهم فحانت منه التفاته فنظر الامير ربيعه واقف في باب الصيوان وهو مثل الاسد الغضبان وكان الامير ربيعه لم يدخل مع قومه على الملك حسان لان نفسه ماكانت تطاوعه على الذل والهوان فالتفت الملك تبع الى الترجمان وقال من يكون هذا الانسان فأني أراه معجب بنفسه غاية الاعجاب ولا حاسب لي أدنى حساب فسأل الترجمان عنه فقالوا العشمشم سيد بني قيس الامير ربيعه المعظم .
فلما سمع تبع هذا الخبر شخر ونخر وتبدل بكدر واحمرت عيناه حتى صار مثل الجمر ثم ناداه فحضر وقد تعجب من عظم هيبته وبياض لحيته فسلم ربيعه عليه ووقف بين يديه فقال تبع أأنت سيد بني قيس الكرام فقال نعم أيها البطل الهمام وقال ولماذا أسأت الادب وإحتقرتني دون باقي أمراء العرب الذين تمثلوا أمامي وقبلوا يدي وأقدامي فتقدم الان وقبل رجلي يامهان وإلا قتلتك بحد الحسام وجعلتك عبرة بين الانام .
فقال ربيعه وقد استعظم ذلك الامر واحمرت عيناه من الغيظ حتى صارت مثل الجمر لانه كان من اشرفهم حسبا واعلاهم نسبا ثم قال اعلم ياملك الزمان بأنني ملك من ملوك العربان صاحب قدر وشان وماذلت نفسي لانسان وهذه هي وبلادي وملك أبائي واجدادي وأنا ماتعديت عليك وماأوصلت أذيتي اليك بل أنت شنيت علينا الغارة وأمتلكت بلادنا والحقت بنا الخسارة وذلك بدون سبب من الاسباب فكفى الذي فعلته أيها الملك المهاب وقد بلغت منا قصدك فلا أنت تقبل يدي ولا أنا أقبل يدك فلما سمع هذا المقال خرج عن دائرة الاعتدال وقال يانذل بني قيس ومن هو أذل من التيس أني ماأتيت من بلادي بهذا الجمع المتزايد الا لاجعل زمام الدنيا في قبضة ملك واحد ثم بعد هذا الكلام صاح على الاعوان والخدم بصوت كالرعد في الغمام ياويلكم اقبضوا على هذا الشيخ الكبير ومن معه من بني قيس الطناجير وقيدوهم بالجنازير فامتثلوا أمرة في الحال وقيدوا ربيعه وباقي الرجال وبعد أن قيدوه وأوثقوه أمر الملك بشنقه فشنقوه وهكذا انتهت حياته وانقضت أيامه وساعاته وبقي معلقا ثلاثة أيام حتى جاء نائبه الامير زيد الى الشام فغسله وكفنه ثم وراه التراب ودفنه ثم جاء في باقي الرجال وأرادوا أن يفعلوا بهم مثل تلك الفعال فانهزم الامير مرة من بين أيدي الفرسان وتقدم الى عند الملك تبع حسان وقال الامان ياملك الزمان نحن الآن عبيدك وطوع يديك وجميع أمورنا راجعة اليك فاعفوا عنا فقد صرت لنا ملك ثم انه ابعد هذا الحديث والكلام أشار يخاطبه بهذا الشعر والنظام :
مقالات لمرة في بيوت صروف الدهر قد جارت علينا
الايا أمير تبع يامسمى أيا ملك الورى في العالمينا
انا في جيرتك يافخر قومك أجبرنا لاتشفي الضد فينا
قتلت أخي ربيعه يامكنى وأسقيت العداء والحاسدينا
وتقتلني أنا ياأمير بعده تهد رجالنا طول السنينا
ونحن ياملك حكام مثلك على كل القبائل حاكمينا
فليس بواجب تهدم بيوتي ولاهذه فعال الماجدينا
وقد حاربنا وحكمت فينا ونحن اليوم في حكمك رضينا
وبعد اليوم صرنا لك رعايا على طول الليالي والسنينا
وندفع كل عام عشر المال كله فاحكم ماتريد اليوم فينا
(قال الراوي) فلما سمع تبع شعره ونظامه وعرف قصده ومرامه عفى عنه وأعطاه الامان وكذلك صفح عن باقي الامراء والاعيان وجعلهم من جملة الرعايا والخدام يدفعون له الخراج في كل عام وقال لمرة ياسيد القوم قد صممت أن أتخذ مدينة كرسي مملكتي بعد هذا اليوم فسر أنت وأهلك من هذه الديار وتفرقوا في سائر الاقطار وكونوا لاوامري طائعين ولحكمي خاضعين سامعين .
ثم أنه قسمهم الى عدة فرق وأقام على كل فرقه ملك من سادات بني قيس الاعيان فجعل الامير مرة على الفرقة الاولى وأمرة أن يسكن مع قومه في نواحي بيروت وبعلبك والبقاع وجعل الامير عدنان على الفرقه الثالثه وأمره أن يقيم قي بلاد العراق وتلك المنازل والافاق زكان الملك تبع قد شتت بنو قيس بهذه الوسيله خوفا من أن يقع في مكيدة أو حيله ثم أنه التفت على الامير مرة وباقي السادات وأشار اليهم بهذه الابيات :
يقول التبع المدعو اليماني أبا مرة لكم مني الامان
الا ياقيس روحوا لاتخافوا فقد سدتم على أهل الزمان
ربيعه أنت يامرة بداله كبير القوم من قاص ودان
وأولادهم لهم موضع أبوهم وأنت أكبرهم فيهم تعاني
ولكن خلق لاتسكنوها وكونوا في أمان مدى الزمان
فلما فرغ تبع من كلامه وشعره ونظامه أجابت بنو قيس أمره بالامتثال وتفرقت جموعهم في البراري والتلال وهم يبكون على ماجرى عليهم وما وصل من الاذى اليهم كانوا في أرغد عيش وأهناه وفي عز وجاه كلمتهم بين الناس مسموعه وروايتهم فوق هام المجد مرفوعه لايعرفون الهم والكدر ولايأخذهم قلق ولا ضجر الى ان اصابتهم البليه وحلت بهم تلك الرزيه فبكوا على تفرق بعضهم البعض وتشتتهم في أقطار الارض .
ومن غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق هو ماجرى للاربعه أخوة الذين اشتهروا من بني قيس بالحميه والنخوه وذلك أنه كان لزوجة الامير ربيعه المذكورة والد كليب والزير الفارس المشهور أربعة أخوه من الذكور وهم جوشن وناجد وجودر والامير منجد الاسد الغضنفر وكانوا من أجود الناس قد اتصفوا بالشجاعه وقوة البأس .
فلما رأوا أفعال تبع الشنيعه وكيف أنه قتل صهرهم ربيعه ساءهم ذلك الامر وتوقد قلبهم من الغيظ بلهيب الجمر ولكنهم أخفوا الكمد وأظهروا الصبر والجلد فحملوا بيوتهم وعيالهم وساقوا غنمهم وجمالهم وجدوا في قطع البراري والاكام حتى وصلوا بلاد الشام فنزلوا بقرب صيوان تبع حسان فقال لهم من تكونوا من العربان فقال له ناجد أعلم أيها السيد الماجد أننا من خيار العرب أصحاب الحسب والنسب وكان الامير ربيعه متزوجا بأختنا جميله وكنا على زمانه في نعم جزيله والان قد أمسينا في ذل وهوان ليس لنا قدر ولا شان وقد قصدناك وأتينا اليك وجعلنا اعتمادنا بعد الله عليك لعلك ترحمنا وترثي لحالنا وتبلغنا غاية آمالنا وتجعلنا من جملة الاعوان والعبيد والغلمان فتستقيم أمورنا بعد الذل والكدر ونحظى بالشرف الرفيع وبلوغ الوطن فأعجبه كلامهم وبلغهم مرامهم وجعلهم من جملة وزرائه وأكابر أمرائه وكان يستبشرهم في أكثر الاوقات ويفضلهم على الرؤساء والسادات وكانوا يترقبون الفرص ليأخذوا بالثأر ويزيلوا عن قلوبهم الغصص ولما بلغ تبع الغايه دخل الى مدينة الشام ونزل بالسرايه فطاعته العباد وخضعت له جميع البلاد وشاع ذكره في الاقطار وتحدث به الملوك الكبار واستمر على هذه الحاله مدة ثلاثين سنه تهاديه الملوك الاكاسرة وتهابه الملوك القياصرة .
وكان قد بنى له قصرا مرتفع البنيان مشيد الاركان وجعل أبوابه من الفضة والذهب ورصع حيطانه بالجواهر والدرر فكان من عجائب الزمان وذلك لما فيه من التحف الحسان التي تدهش النواظر وتحير العقول والبصائر .
فاتفق ذات يوم بينما هو جالس في الديوان ومن حوله الاكابر والاعيان وهم يتحدثون بذكر نساء العرب اللواتي اشتهرن بالفضل والادب والحسن والجمال واللطف والكمال اذ قال بعض الوزراء انه لا يوجد في هذا الزمان بين بنات العربان في المحاسن والاوصاف البديعه أجمل من الجليلة ابنة أخي ربيعة وأخذ الوزير يطيب في أوصافها وآدابها وألطافها ثم قال في آخر الكلام ان هذه الصبية التي كأنها البدر التمام مخطوبة لابن عمها الامير كليب ومراده ان يتزوج بها في هذه الايام فهنيئا لمن كانت هذه زوجته وقرينته وحبيبتة .
فلما سمع تبع بذكرها وأنها من أجمل بنات عصرها اشتد غرامه بها وتعلق قلبه بحبها وكتب الى أبيها بالحال يأمره ان يرسل له الجليلة بدون اهمال لان مراده أن يتزوج بها ويكون صهره وبهذه الوسيلة يعلو بين الناس قدره ثم ختم الكتاب بهذا الشعر والنظام وبه يتهدده بالانتقام ان لم يتمثل الي هذا الكلام وأشار يقول :
يقول التبع الملك اليماني ملكت الارض والسبع البحار
ألاياغاديا مني لمرة على فرس تشابه ريح ساري
بحال وصول مكتوبي اليه فأعلمه بحالي وانتظاري
أيا مرة فأرسل لي الجليلة بلا أهمال من بين السراري
سمعت بأنها زينة مليحة ويخجل من حسنها ضوء النهار
وحين سمعت بها طار عقلي وقل اليوم مني اصطباري
أريد تكون باكر وسط قصري وتتسلطن على كل الجواري
وأرسل جزية السبع المواضي خزين في صناديق كبار
وأحضر ياملك مرة عندي وأخضع الي بذل وانكسار
وأدخل على الجليلة وسط قصري وأتمتع بها وأطفي لناري
وأن كانت كما وصفوا وقالوا سأمضي الليل معها مع نهاري
وأعطيك البقاع الى بعلبك وأرفع لك مقاما في جواري
وان ثم تمتثل قولي وأمري تراني جئتكم مثل الضواري
وأمحي جمعكم في حد سيفي وأنهب مالكم وأنال ثاري
ثم أمر تبع وزيره نبهان أن يركب في جماعة من الفرسان ويقصد تلك القبيلة ويسلم الكتاب الى مرة ويأتيه بالجليلة فامتثل أمره وسار وجد في قطع القفار حتى وصل الى تلك الديار فرأى القوم في سرور وأفراح وشرب مدام وأنشراح لانهم كانوا مهتمين في تلك الايام في جواز كليب بالجليلة بدر التمام .فلما سمع مره بقدوم وزير تبع خفق قلبه من شدة الخوف والفزع فنهض في الحال واستقبله ثم أتى به الي الخيام واحترمه غاية الاحترام وأمر الخدام ان يأتوا بسفرة طعام وآنية المدام فامتثلوا الي أمره كما ذكر وبعد أن أكلوا وشربوا ولذوا وطربوا قال الامير مرة الى الوزير أعلم أيها السيد الخطير لقد زاد سرورنا الآن وتزينت بقدومك الأوطان ثم ساله عن سبب زيارته وما هي غاية حضرته فقال أتيتك بكتاب من تبع ملك الاعارب وبه يطلب ابنتك أمراة له وأنت تعلم بطش هذا الجبار وفعله فقد قال المثل لاتعاند من اذا قال فعل وأنا والله في غاية الحياء والخجل وليس لي أرادة بهذا العمل ولكنني أتيتكم في زي رسول لأعلمك بالخبر اليقين وليس على الرسول الا البلاغ المبين ثم أخرج الكتاب وسلمه أياه ففتحه الأمير مرة وقرأه ولما وقف على حقيقة فحواه انقطعت أمعاءه وضل عقلة وتاه لانه اذا أبى وامتنع يقتله الملك تبع وأن أجابه الى ما يطلب يصير معيرة بين قبائل العرب وتشتمه الناس وتزدريه حيث كان قد أنعم بزواج ابنته الى كليب أبن أخيه فنهار وحار وأخذ يتأمل في عاقبة هذا العمل فلم يجد سوى الخضوع والامتثال لأوامر تبع في الحال خوفا من العواقب وحلول النوائب فالتفت الى الوزير نبهان وقال له أمام الامراء والاعيان ومن حضر في ذلك المكان لقد سوى أمره ورضاه لانه الملك الأكبر وبمصاهرته نحظى على الشرف الرفيع والحظ الاوفر وبعد ثلاثةأيام يكمل جهاز بالتمام فنضعه بالصناديق ونحمله على ظهور الجمال مع باقي الامتعه والأحمال وتركب الجليلة في هودجها وتسير أمام الفرسان وتذهب أنت معنا الى عند الملك تبع حسان فانشرح صدر الوزير بهذا الكلام وأيقن بالنجاح وبلوغ المراد والحصول على الخلوع والانعام فبات تلك الليلة وهو فرحان.( قال الراوي ) فهذا ما كان من الوزير نبهان وأما الأمير مره فانه استدعى بكليب سرا وقص ذلك الحديث عليه وقال أعلم يا ثمرة فؤادي ومن هو عندي أعز من أولادي أن الضرورة أحوجتني الي ذلك خوفا من الوقوع في المهالك وقد اعلمتك بما جرى وتجدد فما رأيك أيها البطل ألامجد فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال أرجوك أن تمهل الوزير ثلاثة أيام عن المسير حتى أنظر في هذا الامر العسير .( قال الراوي ) وكان لكليب صديق يتمنى له النجاح والتوفيق يدعى العابد نعمان وكان كثيرا ما يوعده بالخير والاحسان فقصده تلك الليلة وأخبره بما جرى وما كان من أمر الملك تبع حسان فقال له أبشر بالخير يا نور العين فان الرأي عندي أن تجهز مائه صندوق يكون كل واحد بطبقتين في الطبقة الواحدة تضع فارسا من أبطال المكافحة والمجادلة وفي الثانية جهاز الجليلة وانت تكون مهرجا لها أمام سادات الجليلة وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتنال المراد من رب العباد.وأعلم لاخفاك أنه عند وصولك الى هناك تجد سلسلة من النحاس الاصفر معلقة فوق الباب الاكبر وهي مرصدة من سحر هذا الزمان لهلاك من أراد الضرر للتبع حسان فتقع عليه بالحال وتذيقة الوبال فخذ لنفسك الحذر وأتكل على الله آله البشر فهو يحفظك ويحميك وينصرك على جميع أعاديك فاذا بلغت الارادة وفزت بالسعادة بنيت مسجد برسم العبادة وخذ لك هذا السيف الخشب به تنال القصد والارب وأشار يقول:
قال عمران ياأبن ربيعة أتاك الخير وسعدك تم
روح لقومك بشرهم وقول لعمك وابن العم
وبشر المسمى همام بأن الشمل اليوم يلتم
وقول السعد آتى لقيس وستوفي ثارك والدم
تأخذ ثأرك من التبع وتسقيه بكأس الخمر والسم
هذا السيف تقلد فيه وفي كفك ياأمير يتم
وألبس قموعة سموطه تبقى تضرب فيه بعزم
وحط بعينك عرق الشبا تبقى أحمر مثل الدم
حط عروسك في هودج وقودم بها زمام وزم
وسوى عرضك فشمرها احذر منه في حقك ذم
وان واحد قال لك ماتكون فأعجل وأعمل حالك صم
وألعب وارقص واتهرج واحفظ ما يخرج من الفم
علمت مرة والفرسان باكر لعندي تلتم
وأن دبرت هل رأي من خالف قولي يندم
وسير لعنده بالابطال قبل ما يغضب ونسم
سلسلة معمولة هناك يعلم السحر مع الظلم
تبين كل ساعة أعداء احذر منها لا تعدم
طيب قلبك لا تغتاظ من ذات العايق لا تهتم
سألت المولى ينصركم ويزيل عنكم كل الهم
فلما فرغ العابد من كلامه وعده كليب ببناء المقام على أحسن نظام ثم رجع على الاثر واعلم عمه بذلك الخبر وقال له يقتضي الان أن تبادر بإتمام هذا الشأن وننتخب مائة من الفرسان ونضعهم في الصناديق على ظهور الجمال مع باقي الجهاز والاموال في أمتعه وأحمال على عيون الرجال ويكونوا جميعا بالاسلحه الكامله والعدد الشامله وتركب الجليله هودجها وهي مزينه بالجواهر ويكون في صحبتها جماعة من السراري يدقون أمامها بالدفوف والمزامير وأنا أجعل نفسي مهرجا لحضرتها وقائد لزمام ناقتها وندخل على تبع بهذه الوسيله فان تمت عليه الحيله نلت المرام وأخذت ابنة عمي بحد الحسام وأكون قد بلغت أربي وأخذت بثأر أبي ومتى قتل الملك تبع يقع في قلب قومه الخوف والفزع .
(قال الراوي) فاستصوب الامير مرة كلام كليب وعلم انه سينال المراد بدون أدنى شك ولا ريب فقال لقد نطقت بالصواب وأشرت بالامر الذي لايعاب فافعل ماتريد أيها الفارس الصنديد .
وكان قد أمهل الوزير ثلاثة أيام حتى تتم هذه الامور والاحكام وقد أطلع مرة أبنته على ماتقدم ذكره وعلى قصد كليب فعله فلما كان يوم الارتحال انتخب كليب مائة من الابطال وقص على مسامعهم واقعة الحال ثم وضعهم في صناديق الاحمال وحملوهم على ظهور الجمال وكان من جملتهم الامير جساس وجماعة من عظماء الناس .
وركبت في هودجها الجليله وركب أيضا الوزير والامير مرة وجماعة من فرسان القبيله وتقلد كليب بالسيف من تحت الثياب ولبس فروا من جلود الثعالب والذئاب وأرخى له سوالف طوال من أذناب الكدش والبغال وركب على قطعة من قصب وحمل دبوسا من خشب وكان يقود بزمام ناقة الجليله أمام فرسان القبيله .
وكانت السراري تدق أمام الجليله بالمزاهر والدفوف والفرسان تلعب بالرماح والسيوف ومازالوا يقطعون البراري والاكام مدة ثلاثة أيام حتى أقتربوا من مدينة الشام فنزلوا هناك ونصبوا الخيام ورفعوا الرايات .
--------------------------------------------------------------------------------
الجزء الثاني
والاعلام وأرسلوا رجلا من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم الى البلد فسار على الاثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :
قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا
تبعت الرمل وأنا كنت طفلا وقبلته يمين مع يسارا
ولاأحد مثلي بالرمل عارف ولاغيري يعرف كيف سارا
أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا
الا ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم غارا
أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا
جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا
صناديق التي لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا
يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا
هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها خبارا
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا الى العمارة وكل صندوق تلاقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد الى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية لالمائة عبد هذا في يده عصا والاخر في يده بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا الى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الاول والثاني الى العشرة فصاحت الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجالا فتقمت وفتحت لمه عشرة صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلام ثم يرجع الحديث الى عجوز يقال لها حجلان وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لامحاله فقالت خيرا لي أخذ الوجه الابيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت الى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لان الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلاف ذلك وضربت على الطبقه السفلى فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره الله وفتحوا صندوق واعطوها ثلاث بدلات حرير فقالت من الان وصاعدا أساعدكم على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت الى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لان العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك بضرب عنقه وراحت روحه الى الوادي الاحمر وتقدمت العجوز الى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها الله من الحسن والجمال :
تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود
يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود
أتوك بني قيس أهل السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود
وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود
وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف ترخى الجعود
بشعر طويل وشعر كحيل بلا جرميل تصيد الاسود
حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على النهود
وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود
ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد
وجسم رقيق وريق رحيق وسنان لولو سبت الورود
لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود
اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق الزنود
وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود
وصدر كاللوح خلقه الاله وقد زين الصدر جوز النهود
وأعطاف وأرداف مثل العجين خلق الاله مهيمن ودود
أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود
أما القلائد مناسل ذهوب من الراس مكعوب مثل البنود
وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود
وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه شارد شرود
قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لاجلك كل هم وكود
للملك حقا قد أحضروا مليحه حلالها يزيل النقود
فأرسل وراها وخلى المحال واسمع كلامي واجلي الصدود
وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود
( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها السلام وآنسها بالحديث والكلام وقال لها أهلا وسهلا بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لانها كانت متصفه بالادب ومن أجمل نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلام الدلال أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف لا وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الاوان الله يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لاتترك ابي وأعمامي وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لانهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه بصناديق جهازي وباقي الاحمال تحضر الى هنا في الحال لانها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولاد عم .
( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من الاعيان ويعد الى الامير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر مولاه من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير الامر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت الملك تبع الى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي الا أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ يترحب بالجليله ويقول :
يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني
الا يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني
ترى لولا الجليله لي تعاتب وجابت لي الحسب والنسب مني
فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني
فلا تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم مني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع الى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب الى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان الى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها الى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله الى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله الى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة
شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة
بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة
وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة
الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل الى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله الى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد انقطع من الخوف وأيقن بالهلاك والقلعان فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان أن تعفو عني وتسمح عما فرط مني فقال لابد من قتلك كما قتلت أبي وأكون قد أخذت ثأري وبلغت أربي فقال تبع اذا كان لابد لك من هذا الشان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث الى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
الملحمة الكبرى للتبع حسان
يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي
واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي
أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد
أريد اليوم أن أعلمك شيئا لتعرف حال أخبار العباد
فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد
وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل الفساد
وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلاص لكي ينادي
نبي لم يكن في الناس مثله لان الله اختاره يفادي
فكم ميت بكلمته أقامه وسقيم شفاه من الامراض
وعندي قد تبين بالملاحم بأنك قاتلي دون العباد
وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في البلاد
وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد
وتكتب بدمائك على البلاطه لمن بعدك لتشتيت الأعادي
ويأتي أبو ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلاد
ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلاد
وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى بالمسرة والمراد
ويظهر لك غلام بعد موتك يسمى الجرو قهار الأعادي
ويقتل الى جساس خاله وأما الزير تقتله الأعادي
وسيف ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد
ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد
ويظهر له ولد يدعى بدمر شديد اليأس مرفوع العماد
فيملك في بلاد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلاد
وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في يوم الطراد
وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد
واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلاد
وأبو بكر وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد
وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد
يموت الهاشمي ويصير خلف على الأحكام بعده عمر بالعباد
أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد
علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين الولاد
ولا يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد
وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي
وبعده بني العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد
وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد
يقيموا الشر في كل الأراضي ويملوا الأرض طرا بالفساد
وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلاد
هلال وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع أياد
حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار الأعادي
وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد
يطوفون البلاد فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد
ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد
وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس الخزاعي والأعادي
شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد
وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار الأعادي
كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلاد
وبعده نظهر الأشطان ظالم خبيث الأصل من قوم شداد
بنو أيوب تظهر بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد
ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد
ملوك الأرض تخشى من لقاهم لأن جيوشهم مثل الجراد
عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد
ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في كل البلاد
طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي
يقيم السيف في الأقطار عمدا ويجري الدم في كل البواد
ويظهر فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد
ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد
يطوب الأرض من شرق وغرب ويفعل معجزات في البلاد
ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي
فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في البلاد
وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلاد
ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد
وبعده الشمس تظهر من مغيب وتزداد الخلائق في الفساد
ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلاد
فلا نهر الفرات لهم يروى ولا سيعون ولا الدجلة المراد
ويغشى الأرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد
ونيران تعم الأرض طرا على أعلى الجبال وفي كل واد
وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد
فلا يصعد ولا يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد
وبعده يظهر من جهنم وينفخ ريح من أقصى البلاد
يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلاق العباد
وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان العباد
فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد
ولا تفرح عن حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
وأعلم ياأمير اني عتيقك مدى عمري الى يوم الميعاد
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي
أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد
أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد
فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد
هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي
جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد
فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي
فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال بالله عليك أيها السيد المحترم أن تعفو عن وتجعلني من الخدام فقال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني
ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس
ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس
طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس
تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس
فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس
أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس
الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس
فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس
وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس
وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس
أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس
أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس
فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس
دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس
وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك ثم وضع راس الملك على راس السنان وخرج الابطال والفرسان وطافوا في شوراع البلده وضربوا من وجدوه بالسيف المهند وهم يقولون عن فرد لسان هذا راس سيدكم حسان فقد عدمناه وقتلناه وارحنا الناس من شره وبلاه فمن عصى هلكناه ومن اطاع ابقيناه على قيد الحياه وله منا الامان على طول الزمان .
( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلاكه فاجتمعت العساكر والاعيان وطلبوا من كليب الامان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب الى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الاحدب ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والامراء والنواب فحكم معاملا الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الاحباب وزال عنهما الغم والاكتئاب وباتا في حظ وانشراح الى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .
( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع الزهور فأجابها الى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل الى الديوان وجمع الوزراء والاعيان وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه لايوجد في هذه الايام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق المرام الا معمر المختص بالريان ملك مصر لانه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان لايوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر تحتوي على جميع الاشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .
( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر الى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع ابن عم من الامراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الاخبار صمم على غزو بنو قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلاد الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الاخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والابطال ولما التقى الجيشان أمر كليب أن تقدم الفوارس الى ساحة الميدان وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الاخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان الامير كليب أول العسكر كانه الاسد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الاهوال فلله در الامير كليبب بطل الابطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم الاسود وانطبق على العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والارواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل الى ان ولى النهار وأقبل بالاعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الارض وعند الصباح رجعوا الى الحرب والكفاح فبرز الامير عمران الى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز الامير والابطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطالا وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد فالتقاه الامير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن الا ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم الى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه والقيسيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الاحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط الرمال حتى قتل سبعه من الابطال وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج الامير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به الى الخيام فعند ذلك برز الى عمران الامير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة بأس غير أنه لم ينجح في قتاله ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة الامير عمران في قلوب الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك الامر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد الا عمر فاذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح لانه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل الامير عمران الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين الابطال الصناديد لايبرز الا كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر والاحتيال فما تم كلامه حتى صار الامير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدت تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما قتلت الملك تبع الا لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلام اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما الابصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال الى قرب الزوال حتى تعجب عمران من ثبات كليب أمامه لانه كان يظن أنه لايوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح قاصدا هلاكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قطعتين وحسان عليه غراب البين وبعد ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والارواح من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل الامير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الاركان فولوا الادبار وركنوا الى الهرب والفرار فتبعهم كليب بالعسكر وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه ومازال تابع آثارهم حتى دخل ديارهم فخرجت اليه أكابر البلاد طالبين العفو والامان فأجابهم كليب الى ذلك الشأن وأرتد راجعا الى الشام بعد أن رتب عليهم خراجا يدفعونه في كل عام فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والاوان لانه في غاية الانفاق ولاسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الاشجار والفواكه والاثمار والمياه الغزيرة والزهور الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات فربتهن بالدلال والعز والاقبال فاتفق له ذات يوم من الايام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني الاعجام وبعد أن دار بينهم الكلام قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والاغنام لسبب كثرة المواشي الازدحام فمرادي الان أن أرحل عنك بأنعامي ورجالي وباقي أموالي ولاشك بأننا في هذا الرحيل والانتقال تتحسن بنا الاحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلاد بلادنا ونحن ملوك الاقطار .
( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ وكبر في العمر فاقام الامير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالانصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن الا سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج الى الصيد والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك الايام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب لايخاف من أحد ولايهاب فصيح الكلام معكفا على شرب المدام وسناع الاصوات والانغام ينشد الاشعار البديعه ويأتي بالمعاني النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه لايتعرضه بأمر من الامور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه وأنه لايوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض الايام أراك يأخي منشغلا بالملاهي وشرب المدام فقلبك خالي من الهموم والاحزان كأنك لاتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لان الدهر دولاب سريع الانقلاب اذا أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ولا حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير لا أحسب حساب الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الاثقال وأجندل أمامك الابطال أنا الاسد الغالب فارس الكتائب والمواكب أنا قهار الاعادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلامه وتركه مشتغلا بشرب مدامه وارتد راجعا الى الديوان وقد راق له الزمان .
( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولاد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن الامير جساس لابد أن يقتل الامير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق الاعتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من جملتهم الامير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول :
على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال
تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ولا يبالي
ويأتي الزير بعده يا أمارة يشتت جمعنا بين الجبال
ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال
هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف الليالي
فيلزم أن تروح الى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي
فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الاماني
جليله عارقة في كل فن وتعرف في الزيارج والرمال
فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال
فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه الامير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلاث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والاكرام وأقاموا عندها ثلاثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه يظهر للزير شان ولأي شان فيقهر الابطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الادب وتنحط منزلتنا بين ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا الامر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف الامر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام الامر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي
تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول
ومن خلفه غدير وزير قان سباع الغاب في يوم المهول
وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول
وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس تلقب مثل الفحول
ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول
ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول
( قال الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والاكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الاحوال لانه كان يحبها محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودلالها ولاسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها
علامك ياجليلة مالي أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة الآبيات تقول :
مقالات الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا
وتحكم في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا
وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا
وأني بنت عمك يامسمى ومثلي ليس يوجد في البرايا
أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا
قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة وسط الخلايا
ألاياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا
وان لم تقتله حالا فاني أروح اليوم من وسط الخبايا
وتبقى الناس تشتم في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا
وهذا الآمر لايصلح لمثلك كريم الآصل عكاز المطايا
فاقتله واخلص من بلاه ولاتخشى أثام ولاخطايا
فقتل الزير أصوب من حياته لانه خائن دون البرايا
فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لانه كان في ذلك الوقت يشرب الخمر .
--------------------------------------------------------------------------------
الجزء الثالث
وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الاثر وحدث الامير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم الامر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه وضربه حتى الالمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال ورجع الى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ الامل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلاكة بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس فقال لها ما معنى هذا الكلام وما هو المراد بهذا التبويخ و الملالم قالت بلغنى من بعض الغلامان الذين يدورون مع الرعيان بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ولا خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا الشعر و المقال :
تقول الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك
وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك
وصار الناس بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك
أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك
فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة يجافوك
كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك
فاقتل أخوك في سيفك وإلا قومك قد لااموك
فكل العالم تحكي فيه يقول الزير بقى مهتوك
فهذا الاخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك
أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك
فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة الامر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة لا تقتلة يا أمير لان كلام الناس كثير فالاوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و الاسود فقتله هنا وتعود فتفترسة الوحوش و الاسود وتتخلص من كلام العباد فقال هذا هو الصواب و الامر الذي لا يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا بالاله حربة وجلادة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الارض وتأخر وإذا بسباع من بطن الوادي قد ظهر فلما رآه الاميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح
فاخطاه فتبعه الاسدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو
الاسد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح على اخيه ارجع يااخي ولاتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلام يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل الاسد والذي يكون مثله لايستاهل القتل بل يجب له الاكرام ثم أشار يقول :
يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح
كريم الاصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح
الا يابنت عمي يا جليله الا ياصاحبة الوجه المليح
نظرن اليوم من سالم فعالا يشيب لها الطفل الطريح
لقاني السبع من خلفي وزمجر فصار الزير من خلفه يصيح
فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح
ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع الجريح
طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح
فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح
رجعت اليه من فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح
مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح
( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام الامر كذلك فأني سأذهب نهار غد الى بيت أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لاني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لانه لابد أن يغدر بي لان عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ولا ناموس فقال أذكري الله يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي وهو من لحمي ودمي ولا سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لابد من قتله على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه الى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في البير ويموت ولايعلم به أحد وأشارت تقول :
ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة
أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة
أخوك الزير شوفه مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة
ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة
ياليت الزير ينقص من حداكم ولايبقى تظهر له خبارة
الا ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات الامارة
ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة
يبقى الزير هو ندل فيكم ليته لايطلب من الحرارة
قتل الزير أحسن من حياته ولا نهتك مابين الامارة
أقتل هل ردي لاعاش عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة
أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة
ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه من ذي شرارة
( قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ولا كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما لخاطرها فنهض ثاني الايام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم الى بير صندل وعند وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل الى البير فتملا دلو فقال حبا وكرامة ياأخي فدلوه في حبل وأخذ يملي الادليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملأوا الارض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والازدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع الى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك الله فيك اهكذا المفارقه فقال والله يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم الله قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين يطول :
يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل
جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل
أأقتله ليشفى اليوم قلبك ومنه قد ظهرت لنا فعايل
سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل
ثلاث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان القبايل
تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل
فاني لا أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل
أراكي تطلبي قتله سريعا فقولك عنه ليس له دلائل
فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل
فقلي من كلامك لاتعيدي أيا بنت الاماجد والاصايل
فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلامه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن قصدي امتحانك لارى هل أنت تحبه أو تبغضه لانه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلام النفاق حتى صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه اليك ولايقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لانه يقوي الاعصاب وانا في غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجلا لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما
انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما
وتحكم ياملك شرقا وغربا من ارض الروم للكعبة دواما
وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما
وكم أبراج من ذهب وفضه جواهر تشرق جناح الظلام
ولالك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما
اتاني منك سبع بنات اتاني ولاجاني منك ذكر غلاما
وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما
لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما
فنادىالزير واخبره سريعا ادام الله عمرك بالسلاما
(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولااخالفك بامر من الامور فاعلمة كليب بالوقعه
وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق الصغير وتملاة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا اخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة الاتستحي يازير
أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته وساعته وقد تاكد انها تريد هلاكة
وضررة وما زال يسير حتى وصل الى غابة كبيرة كثيرة الاشجار والصخور وليس معه سوى سكين وعصاه
فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر.
فلما اقترب منة قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلاع وخبط بة الارض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال
فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير ان يلاعبها قليلا وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا
منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل الى شجرة لبيرة فطلع اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم
اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي ظالبة مني اخي ثم اراد
النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار الغنم وملآ الحق من حليبها وقطع راسها وراس الاسد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلاب فلما اقبل الى الحي ولاقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك الامر واعتراهم العجب وعند وصولة الى القصر سمعت الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لانها كانت تظن انة يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لامراة اخيه وقال لها هل تجدين شيئا
اخر حتى أقضية فقالت بارك الله فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :
يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب
فلا تسمع أخي قول الاعادي لآن الضد شورة ليس صائب
يشوروا عليك في الاعادي ليسقونك أخي كأس العواطب
فأهل عليك في رأي وخيم لآن كلامها لاشك كاذب
فاعلم ياأخي في ماجرالي بهذا اليوم في وادي الثعالب
وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب
فلما شافني حالا أتاني وكشر عن سنانه والمخالب
فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب
حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للارض قالب
أتتني بعده لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب
رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب
فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة ذات الشناغب
فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب
حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
وراس السبع واللبوة قطتة علامة للاغارب والاقارب
وسقت أولادها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب
فلا قتني رجال قومي وجيتني الآقارب والآجانب
وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب
(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلامة فغضبت الجليلة
من كلام الزير وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لابد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها
كليب كيف يعلم اني ساعية في قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوالله ان الموت الذ عندي من الحياة فلا بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلام الان واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة بالاخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة
مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الآن ولا عدت ولا عدت تسمع مني غير هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد ووصف لة الاطباء شربة من
بير السباع اذا سمع منك هذا الكلام فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا راح لا يعود
يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا الامال
لانني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :
الا اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك
أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة
فارسلة غدا بير صندل وان ارستلة لهناك يقتل
ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور
فلما سمع كلامها أجابها الى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لانة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية بالكلام فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الاطباء شربة
ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت
تحبني أريد منك الان يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة الميدان أن تذهب الى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين الاسود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار الى أن ن وصل الى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة في البرية سوى
سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سر